للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الحكمة يختلف باختلاف الظروف]

السؤال

أريد أن أعرف الحكمة ما هي؟ وما شروطها؟ وكيف لنا أن نتحلى بالحكمة في مثل هذه الظروف؟ مع أن هناك من طلبة العلم من رمي بالتحمس وترك الحكمة في القول، أرشدونا وفقكم الله؟

الجواب

الحكمة معناها في اللغة: وضع الأمور في مواضعها، فالكلمة الطيبة الرقيقة اللينة حكمة حينما يكون الموقف يتطلب مثل هذه الكلمة، والقتل حكمة، وإبادة أمة من الأمم منحرفة عن منهج الله تعتبر حكمة، فمعنى الحكمة تختلف حسب الظروف وحسب مقتضيات الأمر، فاللين حكمة إذا كان الموقف يتطلب اللين، والقسوة والشدة حكمة إذا كان لابد من هذا الأمر، ولذلك قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:١٢٥]، ولربما يطلق على الحكمة -وهذا في أول الإسلام- معنى اللين.

لكن الحكمة في معناها اللغوي والاصطلاحي الذي اتفق عليه علماء المسلمين بعد ذلك هي: وضع الأمور في مواضعها، ولذلك فإننا مطالبون بالحكمة بمعنى اللين حينما يكون للين موقعاً، ولكن إذا كان لابد من القوة فلابد أن تكون للأمة الإسلامية قوة.

ولذلك لا تعجبوا حينما ذكر الله عز وجل إنزال الحديد مع إنزال الكتب السماوية، وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد:٢٥]، فمعنى ذلك: أنه لابد من القوة، وتعتبر حكمة حينما يتطلب الموقف القوة، لكن هذه القوة يجب أن تكون منضبطة بضوابط كثيرة أهمها: ألا تجر وراءها مشاكل، ولذلك نحن ندعو الشباب الذي أصبح الآن يتحمس لدينه إلى الحكمة، ولربما نكرر هذه الكلمة دائماً وأبداً لكثرة ما يردنا من الأسئلة، سواء كان من خلال الهاتف أو من خلال الأوراق أو من خلال المواجهة والمشافهة كلهم يقول: ماذا نعمل في مثل هذه الظروف؟ وكأن الشباب يريد أن يدمر ويفسد الحرث والنسل، ويريد أن يستعمل قوته ويعتبرها حكمة، فنقول: هذه ليست من الحكمة، بل عليك يا أخي! أن تضبط نفسك وتوازنك، فأنت تعيش في دولة إسلامية، وأنا واثق أنها لن تترك هؤلاء المجرمين الذين أثاروك في يوم من الأيام، أو في أيام كثيرة، لن تتركهم يتمادون في مثل هذا الباطل؛ لأن إثارتك سوف تسبب غضب الله أولاً، ثم لربما تسبب غضب مسلم من المسلمين، فيدمر أشياء كثيرة بدافع غيرته على دين الله عز وجل.

فأنا أنصح المسئولين في الدولة بالانتباه لذلك، فوالله الذي لا إله غيره إننا دائماً وأبداً يأتينا شباب يريدون أن يقدموا على أمور نخشى أن تكون لها خطورة، فنحن نكون كوابح أمام هؤلاء، ونقول لهم اتقوا الله، لكن ربما يأتي يوم من الأيام لا يأخذون رأينا في مثل هذه الأمور، فأقول للمسئولين: امنعوا هؤلاء الذين يثيرون هؤلاء الشباب، ويحركون فيهم الشجاعة والحمية والغيرة، والغيرة أحياناً تكون غير منضبطة، لاسيما في عصر الصحوة الإسلامية التي وجه الله تعالى فيها كثيراً من الشباب إلى دين الله، ولربما أن بعضهم كان في يوم من الأيام حرباً على الإسلام، فإذا به الآن قوة ضاربة في الأرض لهذا الدين، فأنا أقول: امنعوا هؤلاء الذين يثيرون هؤلاء؛ حتى لا تكون فتنة، والله المستعان.