للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب استغلال العمر في طاعة الله عز وجل]

إخوتي في الله! يجب أن نقف ونفكر: ماذا فعلنا؟ وماذا تركنا؟ وماذا يجب أن نفعل؟ وماذا يجب أن نترك؟ وإلا فإننا قد غفلت ولهت قلوبنا.

أيها الإخوان! علينا أن نستعرض صفحات ما مضى من السنة الماضية، وماذا تركنا من الواجبات؟ فكثير من الواجبات تركه الناس، وكم فرطنا في كثير من الأوامر! وكم مرت بنا ليالٍ طوال وأيام لا تحصى ونحن في هذه الغفلة! والليل والنهار كما ورد في الأثر: (والليل والنهار خزانتان فانظروا ماذا تودعون فيهما)، بل يقول الله عز وجل قبل ذلك: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:٦٢] ومعنى (خلفة): أي: يخلف بعضها بعضاً.

فإذا مضت عليك فرصة لا تتعبد فيها لله عز وجل بالنوافل فأمامك النهار؛ لأن الله تعالى لما ذكر قيام الليل قال: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:٧] وإذا مضى عليك النهار ولم تستفد منه فإن أمامك الليل الذي هو مطية الصالحين الذين يسيرون فيه إلى الله عز وجل، والذين يقول الله عز وجل عنهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧]، وقال عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٦ - ١٧].

كنا نقول هذا لأنفسنا منذ زمن، وكنا نخاطب الناس بمثل هذا المنطق، لكننا أصبحنا اليوم نتنازل مع الواقع المرير، فنقول للناس: صلوا صلاة الفجر مع المسلمين، بدلاً من أن نقول لهم: إن الله قال عن المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:١٦]، وأصبحنا نتمنى من المسلمين أن يصلوا صلاة الفجر! وصلاة الفجر لها ميزان عظيم عند الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول عنها: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: (ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله).

إذاً: يجب أن ينتبه المسلم! فكم ضيعنا أيها الإخوة المؤمنون من الصلوات! وكم ضيع المسلمون من هذا الجانب! فهناك سواد عظيم لا يقيمون للصلاة وزناً، يجب أن يقفوا أمام سجلاتهم من العام الماضي لينظروا فيها؛ فهل ترك الصلاة أمر سهل أو أمر عظيم؟ إنه والله من أعظم الكبائر! بل إنه الردة عن الإسلام؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:٥٩]، ولعله قد ارتبطت إضاعة الصلاة باتباع الشهوات لأن من عصى الله عز وجل قيض له شيطاناً فهو له قرين، فأصبحت هذه الشهوات ألذ شيء له في حياته، ولذا قال عز وجل عنه: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم:٥٩ - ٦٠]، فباب التوبة مفتوح، وباب التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وبالنسبة لعامة الناس وبالنسبة لكل فرد من الأفراد فإن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أو ما لم تبلغ الروح الحلقوم، ولذلك يقول الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:١٧].

وأبشركم يا إخوان! بمعنىً لهذه الآية أجمع عليه المفسرون، وهو: أن قوله: (بِجَهَالَةٍ) ليس معناه في حالة جهلهم للمعصية، بل معناه: في أيام الجهل وأيام الغفلة.

ثم أبشركم أيضاً بأن قوله: (مِنْ قَرِيبٍ) ليس معناه أن يتوب مباشرة وإلا فلا تقبل منه التوبة، ولكن معناه: أن ذلك القريب هو ما قبل الموت؛ بدليل الآية الأخرى بعدها: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء:١٨].

وعلى هذا فكل ما عصينا الله عز وجل به فهو بجهالة؛ لأن الإنسان لا يعصي الله عز وجل إلا في فترة جهالة، وأيضاً القرب ما زال أمامنا؛ لأن الروح ما زالت في الجسد -والحمد لله- فهي فرصة، ولذا يجب أن نستعتب، ويجب أن نتوب؛ فوالله ما بعد الموت من مستعتب.