للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية نعمة الأمن والرزق ووجوب المحافظة عليها]

إذا كنا نعيش في هذا الوطن الآمن المطمئن قد أرخى الأمن علينا سدوله، وقد هيأ الله عز وجل لنا تحكيم شرع الله فكان سبباً في أمننا وطمأنينتنا؛ فإن علينا أن نتقي الله، وأن نحافظ على هذه النعمة، وأن نتجه إلى المسئولين ونقول لهم: اتقوا الله عز وجل! وعلى المسئولين ألا يغضبوا حينما يقال لهم: اتقوا الله! ونقول لهم: {لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩].

وعلينا أن نحارب المعاصي والإلحاد، وأن نحارب كفر النعم الذي أصبح اليوم ظاهراً في كثير من البلاد التي فجر الله لها ينابيع الخيرات وقد كانت بالأمس تعيش في فقر ومسغبة، وهو ابتلاء من الله عز وجل، بل هو آخر مرحلة من مراحل الابتلاء؛ لأن الله عز وجل قد أخبرنا عن ذلك في القرآن فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف:٩٤].

ونحن هنا في نجد كنا في بأساء، وكنا في ضراء، وكنا في خوف، وكنا في جوع، وكنا في مسبغة، فأرسل الله لنا هذه الخيرات ابتلاءً وامتحاناً، يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} [الأعراف:٩٤ - ٩٥]، فقد أصبحنا نسكن في القصور الفارهة، ونركب السيارات المترفة، ونملك الأموال الطائلة، ونعيش في أمن، ويتخطف الناس من حولنا، لكن ما هي النتيجة؟ كثير من الناس إذا قيل له: اتق الله يا أخي! أنت كنت فقيراً فأغناك الله، وأنت كنت أعزب فجعل الله لك هؤلاء الأولاد الشهود، وأنت كنت تعيش في خوف وذلة فأصبحت الآن مرفوع الرأس والحمد لله، لكنه يقول: هذا أمر قد انتهى ضده! وقد مرت بنا فترات الخوف والجوع، والله تعالى يقول لنا عن هذا الموقف: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا} [الأعراف:٩٥] أي: زاد المال وزاد الأولاد {وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف:٩٥]، أي: انتهى الضد، ولن يعود الضد مرة أخرى، ولكن الأمور في تقلب، فماذا كانت النتيجة؟ {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:٩٥].

فعلينا أن ننتبه يا إخوان! فنحن هنا يتخطف الناس من حولنا، وتحيط بنا دائرة حمراء من الدماء، ونقط حمراء من الدماء، ونحن نعيش في منطقة -والحمد لله- آمنين مطمئنين، قد جعل الله لنا حرماً آمناً، ويتخطف الناس من حولنا.

لكن هل تظنوا أيها الإخوان! أننا نستحق ذلك دائماً؟

الجواب

لا والله، إلا إذا حافظنا على هذه النعمة، وشكرنا المنعم سبحانه وتعالى، وقمنا بحقه، وحاربنا المعاصي؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} [هود:١١٦]، ويقول عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} أي: من النعيم {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:٤٤].

إذاً: أيها الإخوان! علينا أن نخشى الله عز وجل، ووالله ليس بيننا وبين الله عهد ولا ميثاق، والله تعالى يقول: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} [الرعد:٣١]، ونحن نرى أنه يحل قريباً من دارنا كثير من الكوارث؛ واسمعوا أخبار لبنان وأخبار إيران وأخبار العراق وأخبار أفريقيا، والأماكن التي فيها مجاعة، وأنا رأيتهم بعيني يموتون أمامنا من الجوع! ونحن -والحمد لله- عندنا هذه الأموال؛ بل كثير من الناس أصبح لا يستطيع أن يحصيها؛ حتى الأرقام عجزت أن تحصي أموال كثير من الناس، ومع هذا لم تفكر طائفة منهم في أن يوصلوا قليلاً من هذا المال لإخوانهم الفقراء.

ويخشى في يوم من الأيام أن يسلط الله عز وجل على هؤلاء أصحاب الأموال أمة لا يرعون فيهم إلاً ولا ذمة، فيأخذون الأموال ويبتزونها، ويريقون الدماء ويسفكونها، ويتلاعبون بهذا الأمن الذي من الله علينا به.

فهذه أمم كثيرة كانت تعيش في رخاء وفي نعمة أكثر مما نعيش اليوم، وكان الناس يذهبون من هنا إلى أفريقيا الخضراء، وكان الناس يذهبون إلى لبنان الناعمة الآمنة المطمئنة، وكان أناس يذهبون إلى الهند، فأصبح كل هذا العالم يأتي يبحث عن لقمة العيش في بلادنا والحمد لله.

إذاً: أيها الإخوة! هذه نعمة لابد أن نشكرها، وإذا لم نشكرها فإن الله عز وجل يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧]، فهذا عذاب الله نسمع جزءاً منه تعيشه كثير من الأمم المجاورة؛ فخذوا حذركم، واعتبروا بمن حولكم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.