للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكرار التوبة إذا تكرر الذنب]

السؤال

إذا كان الإنسان يتوب ثم يرجع وهكذا، فهل لهذا توبة؟ وهل يجوز أن ينذر طاعة حتى لا يعود إلى المعصية، كأن يقول: إن فعلت هذه المعصية فعلي أن أصوم يوماً أو يومين أو أن أصلي عشر ركعات؟ فهل مثل هذا جائز؟ وما الحكم إذا ترك الإنسان المعصية من أجل هذه الدوافع لا من حيث إنها محرمة أو محظورة؟

الجواب

بالنسبة للذي يعصي ويتوب ويعصي ويتوب، هذا باب التوبة مفتوح أمامه، ولا نقول: إنه إذا عصى وتاب وعصى وتاب فلا توبة له، بل باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أو إلى أن تبلغ الروح الحلقوم.

لكن أنا أخاف على ذلك الذي يعصي ويتوب ويعصي ويتوب أن يعصي الله تعالى ولا يتوب بعد ذلك، وذلك أنه إما أن يعاقب بسوء الخاتمة، نسأل الله العافية! وإما أن يطبع الله على قلبه فلا يتوب بعد ذلك، وإما أن يحصل له شيء آخر يحول بينه وبين التوبة في أي أمر من الأمور.

لكن باب التوبة مفتوح له، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦]، فربما يقيض الله له شيطاناً من شياطين الإنس أو شياطين الجن فيحول بينه وبين التوبة.

وعلى كل فنحن نقول له: اتق الله يا أخي! وإذا عصيت وتبت فحافظ على هذه التوبة؛ لأن التوبة باب ولجت فيه إلى الله عز وجل، وخرجت به من معصيته إلى طاعته، فحافظ على هذه التوبة.

ولكن إذا عصيت مع ذلك أيضاً فتب، ولو عصيت ثالثة فتب، وكن دائماً إذا عصيت تتوب، ولا نقول: اعص، وإنما نقول: تب إذا عصيت.

أما بالنسبة لأن يلزم الإنسان نفسه بعبادة من العبادات من أجل أن يمتنع فيها عن المعصية، فأنا لا أرى أن يلزم الإنسان نفسه بذلك؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إن النذر لا يأتي بخير)؛ لأنه عبادة يلزم الإنسان بها نفسه.

فإذا كان هذا الإنسان ينذر بأنه إذا عصى يصوم أو يصلي أو نحو ذلك؛ فنقول: لا تفعل؛ لأن النذر منهي عنه، لكن لو نذرت فإنه يلزمك أن تفي به، لكن لا خير في النذر؛ لأنه لا يأتي بخير، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولربما تكون هذه الطاعة قد ألزمت بها نفسك فلا تستطيع أن تؤديها في يوم من الأيام، لكن لو ألزمت نفسك بها بنذر فإن عليك أن تفي به.

وهذا لا يكون في الحقيقة علاجاً لمن يعصي ويتوب ويعصي ويتوب، وإنما العلاج الصحيح لمن يعصي ويتوب ويعصي ويتوب أن يتصور معنى التوبة، وأن الله تعالى قد فتح بابه له، وبسط يده له، وأنه قد أنعم الله عليه بهذه التوبة، فكيف يترك نعمة بعدما حصل عليها؟! فهذه التصورات تغني عن هذه العبادات التي يلزم الإنسان بها نفسه.

لكن لو ألزم الإنسان بها نفسه وليس على طريق النذر فلعل ذلك لا بأس به، لكن الأولى له ألا يلزم نفسه بشيء من ذلك؛ اللهم إلا إذا كان قد تاب فإنه يكون من أسباب هذه التوبة أن يتقرب إلى الله عز وجل بعبادات؛ لعل الحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، وكما قال كعب بن مالك رضي الله عنه لما قبل الله تعالى توبته: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي شكراً لله تعالى.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك).

وعلى كلٍ فالإلزام بالطاعة ليس بالشيء الجيد، لكن أنا لا أستطيع أن أجزم بأن أقول: إنه منهي عنه أو غير منهي عنه، والأقرب أنه مباح، لكن لا يلزم الإنسان نفسه؛ لأنه قد يعجز عن أداء هذا المباح فيصبح مطالباً بذلك.