للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لزوم جماعة المسلمين خير وسيلة للوقاية من شر هؤلاء الدعاة]

السبيل للخلاص من هذا الغزو بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث، فقال: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم)، فإذا كان للمسلمين إمام ولهم جماعة فما عليك إلا أن تنضم إلى هذه المجموعة لتصبح عضواً في هذا الجسم السليم الذي نبذ كل هذه الأوبئة وهذه الأمراض.

وقوله: (الزم جماعة المسلمين) دليل على أن الدعوة الفردية لا تحل مشكلة، ولا تقضي حاجة؛ إذ إن أي فرد من المسلمين يريد أن يتخلص من هذا الغزو الذي يحمل أعباءه دعاة من أبناء جلدتنا، فلا بد أن ينضم إلى مجموعة خيرة صالحة يتعاون معهم؛ ليحمي نفسه من هذا الغزو؛ وليتخذ لنفسه حصانة؛ لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، ومن الناحية الأخرى: ليشكل قوة تحمي الإسلام، وتحمي أبناء المسلمين، وتقوم بالدعوة إلى الله تعالى، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من أجل أن تحتمي الأمة الإسلامية من أعدائها؛ ولذلك فإن العمل الجماعي في سبيل الدفاع عن الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله هو السبيل التي أرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم).

أما لو فُقدت هذه الجماعة، وأصبح الشر مستطيلاً في الأرض، وأصبح الأمر بحيث لا يجد المرء فيه ملجئاً وملاذاً في مجتمع إسلامي يعبد الله، ويقيم تعاليم هذا الدين، ويحميه من أعدائه، ولم يكن للمسلمين حينئذٍ إمام؛ فما على المسلم إلا أن يلجأ إلى أصل شجرة فيعض عليها، أي: يلتزم مكاناً نائياً عن هذه المجتمعات الفاسدة، وعن هذه البيئة المتلوثة؛ من أجل أن يفر بدينه، وفي الحديث: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شعف الجبال؛ يفر بدينه من الفتن).

وهذه العزلة لا يلجأ إليها المسلم إلا في حال الضرورة إذا لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام، أما إذا كان لهم جماعة وإمام فإن هذا يعتبر هو العجز والكسل، وهو الجبن والخور، حينما يفر بدينه ويترك الميدان، ويترك الحياة يعبث بها الجرذان، وهو قد عض على أصل شجرة، مع أنه يستطيع أن يغير أو يبدل أو يأمر وينهى.

إن المسلمين الآن -والحمد لله- لهم جماعة وإمام، فكل واحد من المسلمين مطالب أن ينضم إلى هذه المجموعة؛ من أجل أن يشكل جماعة تدافع عن هذا الدين، وليس معنى ذلك أن تخرج على السلطة! ولكن لتكون قاعدة للإسلام وبيئة إسلامية سليمة يأوي إليها من يريد الفرار بدينه.

أما أن نفر بديننا ونترك هذه المجموعة تعمل وحدها في ميدان الدعوة والإصلاح، ونريد أن نفضل الراحة أو أن نعكف على العبادة فإن ذلك لا يجوز.

ولقد فهم طائفة من الناس في الزمن الأول في عهد أبي بكر رضي الله عنه هذا الفهم، ففضلوا أن يعيشوا بعيداً عن مشاكل الناس، ويتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأولوا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم} [المائدة:١٠٥]، فسارع أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصعد المنبر وقال: أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله أن يعمهم بعقابه).

وعلى هذا فليس معنى الآية: الزموا أنفسكم، وأصلحوا أنفسكم فحسب، ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم بأن تعكفوا على العبادة.

ولكن معنى ذلك: إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وأديتم الفرائض كالجهاد في سبيل الله، ثم لم يستجب لكم الناس، فحينئذ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، أما أن نتذرع بهذه الآية أو بغيرها لنعطل هذا الجانب المهم، فإن ذلك ما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوان! إن علينا أن نتفهم هذا الحديث، وأن ننظر إلى واقعنا لنرى هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الصحيحة التي تعتبر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت عياناً، ثم علينا أن نسلك الطريق التي أرشدنا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لنلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وحينئذ فلن تضرنا هذه الفتن، ولن يضرنا أولئك الدعاة وإن كان لهم نصيب من البلاغة والفصاحة، وإن كانوا يتسلمون كثيراً من المراكز العالية فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.