للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الصراط المستقيم]

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، الصراط المستقيم: هو طريق الجنة، وطريق الإسلام قبل ذلك، وسمي صراطاً لأن الصراط معناه: الطريق، والمستقيم معناه: الذي لا ينحرف، وقد فسرت هذه الآية الآية الأخرى في آخر سورة الأنعام، وهي قول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام:١٥٣]، الذي هو دين الإسلام وطريق الجنة، {فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، ومعنى السبل أي: الطرق الأخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية في سورة الأنعام في آخرها خط خطاً طويلاً مستقيماً وقال: (هذا صراط الله -يعني: الذي يوصل إلى الجنة- وعليه داع يدعو إليه)، خطوطاً منحرفة يميناً ويساراً وقال: (هذه هي السبل، وعلى كل واحد منها شيطان).

ولذلك يقول العلماء: إنه كلما جاء الصراط المستقيم أو دين الإسلام أو الطريق الموصل إلى الجنة جاء بلفظ المفرد، كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، وكقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام:١٥٣]، وأما إذا جاءت الطرق المنحرفة فإنها تذكر بلفظ الجمع، كما في قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:١٥٣]؛ لأن طرق النار كثيرة نعوذ بالله! وطريق الجنة واحد، ليس هناك في الجنة إلا طريق واحدة، وهي طريق الإيمان والتوحيد والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والمرسلين قبله قبل أن تنسخ أديانهم.

وعلى هذا فإن هذه القاعدة مطردة، كلما جاء الصراط أو السبيل بلفظ الجمع فالمراد به طرق النار نعوذ بالله! والطرق المنحرفة، كما رسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في هذه الآية، ولكن ورد في قول الله عز وجل في آخر آية في سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩]، فلم تأت حسب ما أعرف (سبل) مجموعة إلا في هذه الآية، وهي من سبل الطريق المستقيم، قال بعض العلماء عنها: (سبلنا) أي: الطرق التي تنتهي بطريق واحدة، فكأنها ممرات تنتهي بطريق واحدة، وهي طريق الجنة وهو الصراط المستقيم، ولذلك فإن السبل وإن تعددت إذا كانت تنتهي بطريق واحدة فهي طريق الجنة؛ كما جاءت في آخر آية من سورة العنكبوت.

ولذلك فإننا نجد أيضاً أن هذه السبل -كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم- على كل واحد منها شيطان، وهؤلاء الشياطين منتشرون من شياطين الإنس والجن في أيامنا الحاضرة، وفي كل عصر من العصور، يدعون الناس إلى هذه السبل المنحرفة، وكما جاء في الحديث نفسه الذي ذكرته: (أن على كل واحد منها شيطاناً)، وهذا الشيطان قد يكون من شياطين الإنس، وقد يكون من شياطين الجن، وقد يكون من الجميع، قال تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:١١٢]، وهذا نجده في هؤلاء المنصرين والمهودين في أيامنا الحاضرة، أو نجده في الذين يدعون الناس إلى الضلال ولو كانوا من أبناء المسلمين، ومن أبناء جلدتنا، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

ولذلك فإن المسلم مطالب أن يكون على المنهج المستقيم، وأن يكون متبعاً لا مبتدعاً، ثم أيضاً المسلم مطالب بأن يسأل الله عز وجل الثبات على ذلك، وعليه أن يبحث عن أفضل فرقة، وأفضل أمة، فيضم صوته إلى صوتها، ويضم نفسه إلى مجموعتها؛ حتى لا يضل الطريق، ولذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه حذيفة بن اليمان قال: (كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني - ثم قال في آخر الحديث:- دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة: قلت: صفهم لنا يا رسول الله! قال: قوم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قال: فقلت: يا رسول الله! فماذا تأمرنا إن أدركنا ذلك؟ قال: الزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فقلت: يا رسول الله! وإن لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام؟ قال: اعتزل تلك الفرق ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

وعلى هذا يا أخي الكريم! فإن على المسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يبحث دائماً عن الصواب، وعن الطريق المستقيمة في هذا الأمر، وهذا معنى قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، إذاً تسأله الثبات على دين الإسلام، وهذا الطريق كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أوله في الدنيا، وهو طريق الاستقامة، وآخره في الجنة، نسأل الله أن نسلكه جميعاً، وأن يهدينا إليه، وأن يجنبنا السبل الضالة حتى لو كان يتقمصها ويتبناها من أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا.