للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)]

ثم بين أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم هم المسلمون، والدليل أنهم مسلمون أن الله تعالى قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧]، والمغضوب عليهم: هم اليهود، والضالون: هم النصارى، وكل من غضب الله عز وجل عليه من المسلمين فإنه سلك مسلك اليهود، وكل من ضل الطريق بعد الهداية والتوفيق من الله عز وجل فإنه يعتبر من الضالين في حساب النصارى، وإن كان المغضوب عليهم في الأصل هم اليهود، والضالون هم النصارى.

وكلمة (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، تدل على أن المغضوب عليهم أشد خطراً وسوءاً وإجراماً من الضالين؛ لأن الإنسان إذا ضل الطريق هو في الحقيقة ترجى له الهداية، لكن الذي يغضب الله عز وجل عليه فإنه يعتبر أسوأ الناس؛ لأن الله عز وجل غضب عليه وقال: {وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة:٦٠]، فالمغضوب عليهم: هم اليهود؛ بدليل هذه الآية التي في سورة المائدة: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة:٦٠].

وسمى اليهود مغضوباً عليهم؛ لأن كتبهم السماوية التي نزلت على أنبيائهم كلها تذكر صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا ينتظرون قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيبعث، ويعدون العرب في مكة والمدينة، كانوا يخبرون أهل المدينة بأنه سيبعث رجل من العرب هذه صفاته، وهذا اسمه إلى غير ذلك، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة:١٠١] وهم اليهود، {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة:١٠١]، وكذلك النصارى معهم: {كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [البقرة:١٠١]، الذي هو التوراة والإنجيل الذي جاء بصفات محمد صلى الله عليه وسلم، نبذوا حتى كتبهم وراء ظهورهم وكفروا به؛ لأنه أخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك غضب الله تعالى عليهم وتوعدهم بالنار، بل جعلهم أشر أنواع الكفار، كما في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة:٨٢].

علماً يا أخي الكريم! أن هذه الآية لا تدل على أن النصارى إخوة للمسلمين، كما يقول بعض المارقين -نعوذ بالله- أنهم أهل كتاب سماوي، وأنهم لا يكفرون، فإن تكفيرهم أمر مطلوب، ومن لم يكفرهم فقد كفر بالله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، لكن هذه الآية تدل على أن اليهود أشد عداوة وأخطر على الإسلام من النصارى، ولكن العداوة مشتركة؛ لأن الله تعالى قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:٨٢]، فالعداوة موجودة من الجميع، إلا أن التفضيل هنا يزيد اليهود عداوة، ولكن النصارى أعداء أيضاً.

وكما نشاهد في عالمنا اليوم كيف أن النصارى الآن يقفون في وجه هذا الدين كما وقف اليهود، وهم الآن يدمرون بلاد المسلمين، ويدمرون اقتصادهم وأخلاقهم فيما يبثونه في بلاد المسلمين من هذه المحرمات إلى غير ذلك.

واليهود والنصارى يشتركون في العداوة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣]، لكن في الحقيقة العداوة عند اليهود أشد، ولذلك سماهم الله تعالى مغضوباً عليهم، وقدمهم في الذكر هنا مقابل المؤمنين، ولكنه ذكر بعد ذلك النصارى فقال: (وَلا الضَّالِّينَ)، أي: لا هؤلاء ولا هؤلاء، والمراد بالضالين: النصارى، وليس معنى ضالين أنهم ضلوا الطريق، وأنهم ما بلغتهم الرسالة؛ لأن الذي لم تبلغه الرسالة لا يحاسب، والله عز وجل يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥]، فمعنى: ضالون أي: ضلوا الطريق على بصيرة، هذا هو معنى ذلك، لكنهم أقل خطراً من اليهود، وأقل جرماً من اليهود.

وعلى هذا فإننا نعتبر أن الطريق المستقيم هو طريق واحدة، أما الطرق المنحرفة فهي لليهود والنصارى وأصحاب البدع والخرافات والوثنيين، وغيرهم من أصحاب الملل حتى من أصحاب الدعوة من الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ففيهم ضالون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)، أي: أمة الدعوة والبلاغ الذين بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لبلاغهم، على ثلاث وسبعين فرقة، بل قد يكون بعضهم ممن يحمل الهوية الإسلامية، فنجد أن العلمانيين يحملون الهوية الإسلامية، ونجد أن غلاة الصوفية يحملون الهوية الإسلامية، وأصحاب القبور يحملون الهوية الإسلامية والاسم الإسلامي، لكن ذلك كله لا ينفعهم؛ لأن الإسلام ليس دين هوية وإنما هو منهج عمل.

وعلى هذا فإننا نستعيذ بالله تعالى في كل صلاة من منهج اليهود والنصارى، ثم إذا أكملنا الفاتحة نقول: (آمين)، و (آمين) ليست آية من القرآن، وليست آية من الفاتحة، ومعناها: اللهم استجب؛ لأن آخر سورة الفاتحة يعتبر دعاءً، والله تعالى يقول: (ولعبدي ما سأل)، فنقول: (آمين) أي: اللهم استجب؛ لأن آمين اسم فعل أمر بمعنى: استجب يا ربنا.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.