للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المرأة في الجاهلية]

المرأة في الجاهلية قبل الإسلام -باختصار- ما كانت إنساناً معترفاً به، فكان كثير منهم يشك: هل المرأة لها روح -كما عند الرومان-؟ وهل هي إنسان؟ وهل هي من فصيلة الحيوان؟ وبعضهم يعتبرها من فصيلة الجن والشياطين، وبعضهم يعتبرها فتنة فقط لا تعدو غير ذلك، وكانت المرأة في الجاهلية الأولى تتفسخ وتنحل، كما أشار الله عز وجل إلى ذلك لما قال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]، ثم جاءت الجاهلية الثانية كرد فعل للجاهلية الأولى، فبالغوا في إحكام القبضة على المرأة قبل الإسلام، فكانوا يعتبرونها من أشر خلق الله، وكانوا يحرمونها من أبسط الحقوق، حتى قالوا: لا ترث.

فلا يرث عند أهل الجاهلية إلا من حمل السلاح وركب الفرس وعمل وعمل، أما عن المرأة فيقولون: هي إنسان ناقص ليس مكتملاً، فلا ترث.

إلى أن أنزل الله عز وجل قوله في سورة النساء: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} [النساء:٧] حتى الإبرة يجب إذا مات الموروث أن تأخذ المرأة نصيبها منها، {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:٧]، فقد أكده الله سبحانه وتعالى، وسنتحدث في آخر الحديث إن شاء الله عن بعض الشبهات التي يثيرها الأعداء بالنسبة للميراث.

كانت المرأة تورث أيضاً، فكان الزوج في الجاهلية إذا مات عن زوجته فإن أقرب أولاده من غيرها يرثها، فكانوا يتسابقون حينما تخرج روح الميت، فأول من يلقي عليها رداءً يكون أحق بها، ويحق له أن يتزوجها ويتمتع بها، أو يبيعها أو يتصرف بها كما يحلو له، مثلها مثل سائر المتاع الذي يورث، هذه الزوجة كانت في الجاهلية، إلى أن أنزل الله عز وجل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩]، فأصبحت المرأة إنساناً في نظر الإسلام، بل إنساناً مكتمل الإنسانية فلا تورث.

وأعظم من ذلك وأفظع منه أنها كانت توأد في الجاهلية، فقد مرت فترة طويلة في الجاهلية كان إذا بشر أحدهم بالأنثى يصير حاله كما أخبر الله عز وجل {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:٥٨]، يعني: يتألم ويشعر بالخيبة وبالخجل أمام الناس إذا بشر ببنت ولدت له {وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل:٥٨ - ٥٩] يختفي عن أعين الناس؛ لأنه أصيب بمصيبة {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:٥٩]، ويكون بين أحد أمرين: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل:٥٩] فهو يمسك هذه البنت ويحتفظ بها وهو يشعر بالذلة بين قومه {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:٥٩] يعني: بعض الأحيان يمسكها على هون وتأخذه العاطفة، فيبقيها وهو يشعر بأنه ذليل؛ لأنه ولدت له بنت، أو يدسها في التراب بأن يحفر لها وهي حية ويدفنها، وهي الموءودة التي يقول الله عز وجل عنها: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٨ - ٩].

وبقي الناس على هذا الأمر طول أيام الجاهلية، إلى أن شع نور الإسلام فأصبحت المرأة إنساناً محترماً، ومع ذلك يقولون: المرأة مظلومة في الإسلام!