للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الإسلام على صيانة المرأة]

لماذا الإسلام شدد في أمر المسلمة؟ ولماذا أصبح أمر المرأة حساساً لا كالرجل؟ نقول: لأن المرأة عارها كبير إذا انحلت أخلاقها، ومصيبتها كبيرة، ولذلك الإسلام حرم الزنا، وما شدد القرآن في موضوع بعد الشرك بالله على شيء أكثر من الزنا، بل نهى عن أن نقرب الزنا، فقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢]، ولم يقل: ولا تفعلوا الزنا.

وإنما قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢] وقربان الزنا يعني الدنو منه، والدنو منه يعني القرب من هذه الفاحشة.

واقرأ سورة النور، فلما حرم الله عز وجل الزنا وكانت أول آية في السورة {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:١] جاء الحديث عن الزنا، ولما جاء الحديث عن الزنا جاء بعد ذلك الحديث عن طرق الزنا، وكيف سد الإسلام طريق الفاحشة، وأول أمر سد به الإسلام الزنا هو الحدود، فذكر الله عز وجل الحد {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢]، ثم بعد ذلك ذهب إلى الحديث عن الزنا والحديث عن الفاحشة؛ لأن الحديث عن الشيء يسهله ويبسطه، فجاء الحديث عن القذف {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:٤]، ثم استثنى الله عز وجل رمي الزوجة؛ لأن رمي الزوجة قد يكون ضرورة لدى الرجل، ثم جاء الحديث عن الاختلاط؛ لأن كل هذه طرق توصل إلى الزنا وكلها لمصلحة المرأة {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور:٢٧] يعني: تستأذنوا {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧]، ثم جاء الحديث عن غض البصر، وكل واحد من هذه الأشياء لو فتح المجال فيه لوصل الناس إلى الزنا.

ثم قال الله عز وجل في آخر الآيات: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢ - ٣٣]، هذه وسائل جاءت كلها في النصف الأول من سورة النور، كلها من أجل أن لا يقرب الناس الزنا، أما أعداء الإسلام فإنهم قد هتكوا كل هذه الحجب، وفتحوا كل هذه الطرق، فعطلت الحدود أولاً، واعتبر تطبيق الحدود وحشية وتخلفاً ورجعية في أكثر البلاد الإسلامية، وجاءت قوانين البشر تحكم الناس بما تزعم أنه الرحمة، ولكنه الإجحاف والظلم والعدوان، ثم أصبح الحديث عن الفاحشة ميسراً، والله تعالى حرم أن يتحدث الإنسان أن فلاناً زنا إلا إذا كان عنده أربعة شهود يشهدون بذلك.

إذاً معنى ذلك أن الحديث عن الفاحشة حتى لو كان حقاً منهي عنه إلا بأربعة شهود {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤] إذاً الحديث عن الفاحشة في المسلسلات يعتبر أخطر؛ لأن الهدف من وراء ذلك ليس هو إنكار المنكر، وإنما الهدف إشاعة المنكر، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:١٩].

ثم بعد ذلك نتكلم عن الاختلاط، فالله تعالى يقول: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) حتى لا يرى عورة، أو حتى لا يختلط جنس بجنس آخر ليس من محارمه، ونجد الآن دعوات كثيرات للاختلاط، حتى قال بعضهم: إن خلط الرجل مع المرأة يزيل هذه الوحشة بينهما.

ولذلك يقولون: لو تساهلنا وخلطنا البنين والبنات في المدارس والمكاتب وغير ذلك أصبحت هذه الشهوة مفقودة وتصبح طبيعية.

هذه الدعوة الشيطانية كاذبة، والدليل على كذب هذه الدعوة الشيطانية التي يزعمونها أن المجتمعات التي اختلط فيها الرجل والمرأة هي أكثر الدنيا فساداً.

ولذلك نقول: هذه كلها من مكائد أعداء الإسلام.

ثم بعد ذلك لما أمر الإسلام بغض البصر نجد أن المرأة في المجتمعات الإنسانية والإسلامية أيضاً -إلا ما شاء الله- نجد أنها تكشفت، فأصبحت تمشي سافرة في جل البلاد الإسلامية، وليست سافرة في وجهها فحسب، ولكنها قد كشفت عن ساقها وعن شيء من فخذها ونحرها وعضديها وذراعيها وعنقها إلى آخره، حتى أصبحت المرأة لا تعيش إلا في جزء من لباسها في كثير من البلاد، والله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] وقوله تعالى: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] دليل على أن هناك صلة وثيقة بين النظر وبين الفاحشة، فقال: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:٣١]، والشاعر يقول: كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر أيضاً نقول بعد ذلك: المرأة المسلمة أمامها خياران، وليس معنى قولنا: خياران أنها مخيرة في أحد الأمرين، بل أمامها طريقان: إما طريق السلامة وطريق الجنة، وهو الطريق الذي اختاره الله عز وجل لأفضل نساء العالمين، لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواصفاته نجدها في قول الله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] فلا ترقق كلامها ولو بتلاوة القرآن، أي: لو أرادت أن تقرأ القرآن فلا ترقق صوتها إن كان يسمعها أجنبي منها، فكيف بها تغني أمام رجال أجانب؟! إن الفرق بين الأمر وبين الواقع كما بين المشرق والمغرب، الله تعالى حرم عليها أن ترقق صوتها ولو بتلاوة القرآن، وهي الآن تتكسر وتغني يراها الرجال أمامهم ويسمعون صوتها، والله تعالى حرم عليها أن ترقق صوتها في أي كلام {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٢ - ٣٣].

فالله تعالى يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] وأعداء الإسلام يقولون: تخرج المرأة، ويجب أن تشتغل، ويجب أن تنافس الرجال، ويجب أن يتنفس المجتمع برئتين.

وأنه تعالى يقول: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣ - ٣٤] يعني: بلغن دعوة الإسلام، فكما أن الرجل مكلف بتبليغ دعوة الإسلام، فكذلك أيضاً المرأة مكلفة بتبليغ دعوة الإسلام هذا هو الخط الأول الذي يعترض سبيل المرأة.

وهناك خط معاكس يسعى إليه أعداء الإسلام اليوم لتسلكه المرأة، والعجيب أنهم يظهرون هذا المظهر وكأنهم أصدقاء وأحباء المرأة والمخلصون للمرأة، فهو طريق أهل النار وطريق نساء النار، وهذا الطريق هو الذي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنه: (صنفان من أمتي لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) يعني: معهم عصي يضربون الناس ظلماً، يفقدون الناس حريتهم التي أرادها الله عز وجل لهم.

(ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

أمام المرأة هذان الطريقان: الطريق الأول: طريق الجنة، والطريق الثاني: طريق جهنم نعوذ بالله منه، ونعيذ بالله النساء المسلمات منه.