للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعي للآخرة]

أول نقطة وأول شرط من شروط السعي المشكور الإرادة، وليست كل إرادة، هناك أناس يريدون الدنيا، فلا بد من إرادة الآخرة إرادة جازمة صادقة.

وهل الإرادة وحدها تكفي؟ لا تكفي وحدها، بل لا بد من السعي، والشجرة الباسقة ذات الجذور العميقة في قلب الأرض الفائدة منها محدودة إذا لم تكن لها ثمرة، والأعمال الصالحة هي ثمرة الإيمان، ولذلك الله تعالى يقول: (وَسَعَى) أي: بالأعمال الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، وحياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، ودنياك قبل آخرتك) كم من الناس من يتغنى ويتحدث عن الإسلام اليوم لكن العمل قليل، ونحن لا نريد أن نقول ما لا نفعل {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:٣] لابد من العمل، عمل فيما بينك وبين الله، وعمل فيما بينك وبين الناس، عمل يسعدك أنت في دنياك وآخرتك، وعمل أيضاً يسعد الأمة التي أنت تعيش فيها والجيل الذي سيأتي بعدك، وهو عمل الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لأن هذا الدين وضعه الله عز وجل في أعناق هذه الأمة جيلاً بعد جيل، فإن حمله الجيل الأول جنى ثمرة حمله الجيل الذي يأتي بعده، وإن ضيعه الجيل الأول تكبد مصيبته الجيل الذي يأتي بعده، ولذلك كم عاش الناس في ظل الدولة الإسلامية الوارفة التي بناها سلفنا الصالح رضي الله عنهم، وبقي المسلمون يتفيئون ظلها مئات السنين، ويسيرون أرجاء المعمورة قد رفعوا رءوسهم، إذا قيل لأحدهم: أين تذهب؟ - قال: إلى بلاد الإسلام؟ وإن قيل: من أنت؟ قال: أنا المسلم.

وإن قيل: ما جنسيتك؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وإن قيل: ما هويتك؟ قال: أنا مسلم.

ليست هناك حدود تفرق بين الأمة الإسلامية، هذه ثمار عمل قدمها سلفنا الصالح، فماذا حدث بعد ذلك حينما نام من بعدهم؟ لم يستيقظوا إلا على الجماجم والأشلاء، ضاعت الأندلس، وضاعت دول كثيرة من بلاد المسلمين، وفي كل يوم يسقط حصن من حصون المسلمين، وفي كل يوم يتسلط الأعداء ويخرج عدو بلون جديد، حتى من أبناء جلدتنا.

ما هو السر في ذلك؟ هو النوم الذي أصاب هذه الأمة إذاً لا بد من أن تستيقظ هذه الأمة، لا بد من أن تعمل لآخرتها، لا بد من أن تعمل لدنياها، لا بد من أن تعمل للجيل الذي سوف يأتي بعدها، وهذه الصحوة الإسلامية المباركة -والحمد لله- ما تركت صقعاً من أصقاع هذا العالم إلا وأخذ منها بنصيب، فلا بد من أن ترعى هذه الصحوة، لا بد من أن تقدم لها النصيحة، ولا بد من أن تقدم لها الخدمات، ولا بد من أن تقدم لها الرعاية والتربية والعلم حتى تكون ثابتة، وتكون قاعدة لمن يأتي بعدها من الأجيال اللاحقة.

فهذه ثمرة الإيمان أيها الأخ المسلم، أما الإيمان التقليدي، إيمان: (وجدنا آباءنا على أمة)، إيمان (وجد أمه، تصلي فصلى مثلها) (وجد أباه يصوم فصام مثله) دون تصور لمعنى هذا فهذا الإيمان ضعيف يهتز في أي صدمة من الصدمات الصغيرة فضلاً عن الصدمات الكبيرة.

لما جاءت الصحوة الإسلامية استيقظ كل أعداء الإسلام، فالنصارى كانوا إلى عهد قريب يبيعون الكنائس، ويقولون: لسنا بحاجة لنحجزها بالملايين، ولا يحضر إليها إلا كبار السن في يوم الأحد.

وأول من تخلى عن هذا الدين الدول الكبرى التي كانت ترعاه، كأمريكا ودول أوروبا، فلما رأوا اتجاه المسلمين إلى الإسلام عادوا إلى دينهم المحرف المكذوب الذي ليس من دين الله المسيحي بشيء؛ لأنه محرف، وأصبحت الآن هناك عصبية دينية، وإذا أردت دليلاً على ذلك فانظروا إلى ما يوجد في بلاد الصرب الكفرة الفجرة مع إخواننا في البوسنة، وانظر إلى ما يوجد الآن في إرتيريا والحبشة ممن يسمون أنفسهم بالجبهة الشعبية وهم صليبيون، حتى إن رئيس الحبشة الجديد اسمه: ملس زيناوي ومعناه: معيد عصر النصرانية.

وهذا ليس هو اسمه، لكنه تسمى بهذا الاسم (ملس زيناوي) أي: معيد عصر النصرانية.

أي: سيعيد عصر هيلاسيلاسي الذي كان يذبح المسلمين بالآلاف في يوم من الأيام.

فلينتبه المسلمون، مع أن في الحبشة وحدها ثلاثين مليون مسلم، وليس فيها إلا عشرة ملايين نصراني، فالمسلمون ثلاثة أرباع السكان، فليسوا أقلية، ومع ذلك يعيشون أذلة؛ لأن المسلمين تركوا الجهاد في سبيل الله، وليس هناك طريق إلى النصر إلا الجهاد في سبيل الله، وإريتريا أكثرها مسلمون، ويحكمها النصارى الصليبيون الذين يعيثون في الأرض فساداً.

إذاً المسألة مسألة استيقظ فيها النصارى وخافوا أن يتساهل المسلمون بشأنهم، وماذا حدث في الفلبين؟ مائة ألف صليبي يطوقون منطقة المسلمين، ولا تظن أن المسلمين قلة في الفلبين، فعددهم ثلاثة عشر مليوناً من المسلمين والحمد لله، وأبشرك بأن أكثرهم في خير، فعندما تدخل ديار بعضهم في بعض المناطق الجبلية يفتشون السيارة حتى لا يكون فيها دخان؛ لأنه ممنوع التدخين داخل تلك البلاد، لكن عندما نزور مستشفياتنا ومراكزنا لا نرى فيها من الفلبينيين إلا النصارى، فما هو السر في ذلك؟ السر في ذلك أن المسئولية أصبحت خطيرة، فيندر أن نرى تايلاندياً أو فلبينياً مسلماً في موقع عمل حساس.

وفي تايلاند ثمانية ملايين مسلم في دولة كاملة في دولة (فطاني) التهمتها سيام بما يسمى الآن (تايلاند) أي: أرض الحرية.

وثلاثة عشر مليوناً من خيار المسلمين، وكما أن هناك من خيار المسلمين في تايلاند فالذين يأتون بالعمال لا يفكرون بهؤلاء المسلمين إلا في آخر وقت.

إذاً هذه أمور تتطلب منا أن ننتبه للخطر الذي يحيط بالأمة الإسلامية، وهذه أمثلة وهناك ما هو أكثر من ذلك.

إذاً: أنت -أيها الأخ المسلم- مطالب إلى أن تسعى، سواءٌ أكان لمصلحتك أم لمصلحة دينك، أم لمصلحة إخوانك المسلمين، وكلمة (سعى) ليس معناها مجرد عمل، معناها عمل جاد، وهناك فرق بين المشي والسعي، أقول: مشيت إلى مكتبي وسعيت إلى المسجد، ولذلك تجد أكثر الآيات والأحاديث التي تتكلم عن العمل للآخرة تأتي بلفظ السعي: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء:١٩] {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:١٤٨] {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [آل عمران:١١٤] {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:٢١] (سارعوا) دائماً هكذا.

لكن تعال إلى الحديث عن الدنيا، يقول تعالى عنها: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك:١٥] لم يقل: (فاسعوا في مناكبها) وليس معنى ذلك أن تعطل الدنيا، لا، وإنما معنى ذلك أن نفرق بين اتجاهنا للحياة الدنيا وبين الحياة الآخرة، فإذا اتجهنا للحياة الآخرة فبركض وسعي، وإذا اتجهنا للحياة الدنيا فبمشي؛ لأن الله تعالى تكفل بالرزق للإنسان، ولكن لم يتكفل له الجنة، وعلى هذا فإن الله تعالى يقول: {وَسَعَى} [الإسراء:١٩] فلا بد من الأعمال الصالحة.

إذاً التحدث عن الإسلام والدندنة عن الإسلام والكتاب والسنة ما نريده إلا إذا كان معه حقائق وكان معه تطبيق على جميع المستويات الرسمية والشعبية، ما نقبل إلا ما كان مصدقاً بالعمل، وأنت -يا أخي- حينما تتحدث عن الإسلام فالإسلام كثر الكلام عنه هذه الأيام، لكن نريد تطبيقاً، نريد حياة عملية تعلمنا وتعلم الأجيال التي اتجهت إلى الله تعالى العمل للإسلام، وما هو الإسلام حقيقة، لا نريد أن تكون هناك ازدواجية في حياة الأطفال الذين يولدون في أيامنا الحاضرة ويسمعون الحديث عن الإسلام، فلا يرون العمل للإسلام إلا قليلاً، إذاً لا بد من سعي، لا بد من عمل جاد، لا بد من استغلال الفرصة قبل أن يهجم العدو على بقية بلاد المسلمين كما هجم على الكثير منها، حتى لا تكون هناك أندلس كبلاد الأندلس التي بلغت من الرقي والحضارة ما لم تبلغه حضارة اليوم، ومع ذلك لما نام المسلمون على الراحة والدعة لم يستيقظوا إلا على الدماء، ولربما يوجد في قادة الأمة الإسلامية من يريد أن يخدر هذه الشعوب، بل يوجد كثيرٌ، جلهم يخدر هذه الشعوب بالترف والنعيم والرخاء والوسائل حتى ينام هؤلاء المسلمون ولا يستطيعون الجهاد في سبيل الله، ولا يريدون أن يغيروا الأوضاع الراكدة التي ينعمون بها، وهذا خطر، فـ كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحباه من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ كعب بن مالك كان له بيت رشته إحدى زوجاته بالماء فأصبح بارداً، فجلس في الجو البارد والرسول صلى الله عليه وسلم ذاهب إلى تبوك، وقعد مثله صاحباه، فما الذي حدث؟ الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يهجرهم، كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:١١٨]، بسبب تخلف عن غزوة واحدة.

أنت -أيها الأخ المسلم- مطالب بالسعي، وأوصيك بالدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى؛ فإنه سبيل العزة والكرامة.