للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التذكير بقضية التوحيد والتحذير من الشرك]

قد يقول بعض الناس: إن الحديث عن قضية التوحيد الآن أصبح لا فائدة فيه، وكثير من المغفلين يقول: قضية التوحيد اليوم لا حاجة لها، ولم تعد الآن اللات والعزى ومناة وهذه الأصنام التي تحدث عنها القرآن الكريم تُعبد من دون الله، فالعقلية الإنسانية الآن تطورت، ووصل الإنسان إلى سطح القمر، ويفكر فيما فوق ذلك، ووصل إلى أعماق الأرض، فلا يتوقع في يوم من الأيام أن ينحت الإنسان معبوداً له من الحجارة أو من الحديد أو من الخشب ليعبده من دون الله! وهذا فيه شيء من الحق وفيه شيء من الباطل، فحقاً أننا لم نر اللات والعزى ومناة تعبد، وهذا لن يعود مرة أخرى، ولكننا نرى أوثاناً تنتشر في العالم الإسلامي تعبد كاللات والعزى ومناة.

فإن من يسافر خارج المنطقة التي انتشرت فيها دعوة الحق ودعوة التوحيد ليذهب قريباً إلى الحدود يوافقني على ما أقول، حيث يرى هناك أوثاناً تُعبد من دون الله، فوالله لقد رأيت بعيني أناساً يسجدون أمام القبور، ويولون ظهورهم نحو الكعبة المشرفة، ويسيلون ويذرفون الدموع أكثر مما يذرف حول كعبة الله المشرفة! ولقد رأينا بأعيننا أناساً يطوفون بالقبور، ولا يُسمح لهم إلا بشوط واحد من كثرة الزحام، فيقول الذين يتولون سدنة هذه القبور: اعمل شوطاً وسر! لا يسمحون إلا بشوط من شدة الزحام، ولقد رأينا أناساً يعفرون وجوههم بأتربة هذه القبور، ويخضعون لهؤلاء الأموات، ويمدون أكف الضراعة لغير الله عز وجل، وينحرون الذبائح، وينذرون النذور! إن هذا الواقع واقع مرير، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله يا أخي، أين معنى قولك: لا إله إلا الله يقول: هؤلاء قوم صالحون نرجو شفاعتهم يوم القيامة.

فنقول له: يا أخي -إن صح التعبير بكلمة يا أخي لمثل هذا-! إن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أصابتهم الشدة يفزعون إلى الله وحده، ولكن مثل هؤلاء ينسون الله عز وجل وتوحيده في الرخاء وفي الشدة، ويقول المشركون الأولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، وما أشبه كلامك بكلام أولئك! فأنت تقول: هؤلاء رجال صالحون نرجو شفاعتهم، وأولئك المشركون الأولون الذين حُكم بخلودهم في نار جهنم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، فمن يستطيع أن يفرق بين المقالتين؟! ولذلك فإن العالم الذي يقف اليوم على حافة الهاوية أشرك بالله عز وجل، وأصبح يعبد هؤلاء الأموات من دون الله عز وجل، وهذا الشرك ما زال يزيد وينمو، وكنت في تصوري السابق أظن أنه سينتهي في عصر العلم والتطور، فإذا بي حينما أسير إلى أي بلد من البلاد الإسلامية سوى بلد الحرمين الشريفين -حماها الله تعالى بعقيدة التوحيد- أجد كثيراً من هذا الأمر، إلا ما شاء ربك.

وهذا نوع من الشرك، والله عز وجل يقول: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [الأنعام:١٥١]، فكلمة (شيئاً) لها معنىً جديد؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، و (شيئاً) هنا قد نفهم منها التحقير، وقد نفهم منها التعظيم، أي: حتى لو كان شيئاً حقيراً أو شيئاً عظيماً.

ولا تعجب يا أخي؛ فإنه دخل النار رجل في ذباب، وذلك بأنه قرب ذباباً لغير الله عز وجل فدخل النار، فأصبح مخلداً في نار جهنم.