للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الحذر من دعاة الانحراف والانحلال]

وفي الوقت الذي تنادي فيه الأمم التي سبقتنا إلى هذا الانحراف بضبط هذه المرأة حتى لا يقع الناس فيما وقعوا فيه، ثم يتراجعون عن هذه المسيرة المنحرفة إلى طريق الاستقامة في هذه الفترة ما زال فينا دعاة يدعون إلى انحراف المرأة باسم حقوق المرأة وحريتها، ولا أدري أي حقوق وأي حرية هم يدعون إليها؟! ولا أظن أن المرأة ستعيش مكرمة ومعززة أكثر منها في بلادنا، وبمقدار محافظة المرأة على دينها تكون أكثر تعظيماً وأكثر تقديراً.

إن المرأة في بلاد الكفر لا يمكن أن تحصل على لقمة العيش حتى تكدح ليلها مع نهارها، وإن المرأة لا تستطيع أن تحصل على لقمة العيش حتى تتنازل عن شرفها وعرضها، ولكنها في بلادنا -والحمد لله- تحصل على كل وسائل المتاع والراحة وهي في قعر بيتها.

ولا أدل على ذلك من هذه المهور، فإن أي بلد تنحل أخلاقها وتتخلف فيها المرأة تسقط فيها المهور، وبمقدار محافظة البلد على المرأة ترتفع المهور، وهذا يدل على ثمنيتها ونفاستها في نفوس القوم.

إن علينا أن لا نغتر بهذه الدعوات؛ لأن هذه الدعوات وليدة تلك الأمراض التي وصلت إلى قعر بيوت هؤلاء، أو وليدة تلك الأمراض التي حُقنت وغسلت فيها أدمغة كثير من القوم الذي عاشوا في بلاد الكفر، ودرسوا أفكار القوم، وعاشوا هناك مدة من الزمن، فرجعوا متنكرين لدينهم، فأصبحوا عوامل هدم في بلادهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهذا الحديث يتجسد اليوم تجسداً واقعياً في أرض المسلمين، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.

قال: فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.

قال: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن.

قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.

قال حذيفة رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.

فقال حذيفة رضي الله عنه: صفهم لنا يا رسول الله! قال: قوم من جلدتنا) فأسماؤهم محمد، وعبد الله، وأحمد، وليس منهم أحد يدعى أبا جهل أو يدعى أبا لهب، ولكن اسمه محمد وأحمد وعبد الله وعبد الرحمن، وتربى في أحضان أبوين مؤمنين، ولكن تربية الكافرين قد ملأت مخه وغسلته, وأزالت ما فيه من خير, وملأته شراً وحقداً على أمته, قال: (دعاةٌ على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها, قال: قلت: يا رسول الله! صفهم لنا.

قال: قوم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا) , فهم ينطقون اللغة العربية, ولا يحتاجون إلى ترجمة, ولذلك فإن هؤلاء أخطر على المسلمين من أعدائهم الذين يحيطون بهم من كل جانب؛ لأن هؤلاء يندسون في المجتمعات الإسلامية, ويفسدون من حيث يصلح الناس.

فلننتبه لهؤلاء الناس, ولنحذر هؤلاء الهدامين, وما أكثرهم بين المسلمين اليوم! ولقد حاول هؤلاء أن يحققوا لأعدائهم مطالبهم حينما قال أحدهم: إنكم لن تستطيعوا أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا في غصن من أغصانها.

وهم الآن يحاولون أن يقطعوا شجرة الإسلام في غصن من أغصانها، ولكن الله متم نوره وغالب على أمره.

وبمقدار ما ينشط هؤلاء الهدامون يتجه الناس إلى دين الله عز وجل، وهذه سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

إذاً علينا أن نحذر هؤلاء، كما أن علينا أن نحذر من أن نقرب من الفاحشة، فالاختلاط الآن يُخطط له في كثير من أرض المسلمين، فكثير من البلاد التي لم يعد الاختلاط فيها منهجاً رسمياً يُخطط له فيها، وهؤلاء من خبثهم وحقدهم على الإسلام واستغفالهم للمسلمين الواعين يقولون: إن خلط الرجل مع المرأة إنما يعطي هذا الرجل وهذه المرأة مناعة، بحيث تزول هذه الحواجز، وتتحطم هذه الأمور المخيفة، فيصبح الأمر طبيعياً.

ولقد كذبوا، فبمقدار ما أزالوا هذه الحواجز زادت الجريمة، وانتشرت الفاحشة بين المسلمين، وهذه هي مقاصد أعداء الله، وهذه هي تربيتهم، أما تربية الله عز وجل لهذه المرأة فعلينا أن نعيها، فإن الله عز وجل يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣٠ - ٣١] أي: إلا ما ظهر قهراً وقسراً لا ما أظهرته هي.

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١]، إلى قوله في آخر الآية: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١]، فإذا كانت المرأة نهيت عن أن تضرب برجلها على الأرض بشدة حتى لا يُسمع صوت الخلخال فكيف بها تخرج ترقص وتغني أمام الناس، ويسمعون صوتها، ويرون جسمها ومفاتنها؟! وما الفرق بين أمر الله عز وجل وبين واقع كثير من أبناء العالم الإسلامي الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردهم إلى الجادة وإلى الطريق المستقيم؟!