للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التمسح والطواف بالأضرحة]

السؤال

بعض الفرق التي تعيش معنا اليوم وتتمسح بالأضرحة وتسألها الحاجات من دون الله يقول بعض أفرادها: إن الآيات التي وردت في بيان أن عبدة الأصنام يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى نزلت في قوم معينين، وهم كفار مكة أو مشركوا قريش الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما هو ردكم؟

الجواب

الحقيقة أن هذا الكلام خطير؛ لأن معنى ذلك أن القرآن سيُحصر في وقت معين، والله تعالى يقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف:١٥٨]، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى يوم القيامة، وأي آية نزلت في فترة فإنها تتحدث عن كل الفترات إلى يوم القيامة، وعلى هذا فإننا نقول لهؤلاء: اتقوا الله عز وجل، ولا ترموا المسلمون وتقذفوهم في النار، وعليكم أن تبينوا لهم طريق الحق، وعليكم أن تبينوا لهم أن الأوثان التي تُعبد من دون الله أياً كانت هذه الأوثان فإنها أوثان، وإذا كان هؤلاء يعتقدون أنها تقربهم إلى الله عز وجل يوم القيامة ويرجون شفاعتها فإن هذه الكلمة لا تختلف أبداً عن قول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، فالمشركون قالوا: (نعبدهم)، وهؤلاء قالوا كلمة غير كلمة (نعبدهم)، فالاختلاف لفظي، أما الحقيقة فإن ما يفعله كثير من الناس اليوم حول الأضرحة بل حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو شرك، ولو ذهب أحدنا الآن إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأى طائفة من الناس قد أداروا ظهورهم إلى كعبة الله المشرفة، واتجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خاشعون، ويقولون: يا رسول الله! أعطنا كذا.

فمن كان يتصور أن هذا سيوجد في المسلمين فضلاً عن أن يوجد في بقعة من أفضل بقاع الأرض وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده، فالشرك قد عاد برمته، ولما قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي: ما شاء الله وشئت أنكر عليه وقال: (أجعلتني لله نداً؟!) فكيف والرسول صلى الله عليه وسلم ميت؟! والعجيب في هؤلاء أننا إذا قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ميت قالوا: لا.

الرسول حي.

فنقول: كفرتم بالله إذا قلتم: إن الرسول حي؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]، فكيف يقول الله تعالى: إنه ميت وأنت تقول: هو حي؟ وقال تعالى: {أَفَإِْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤]، ولذلك لما اضطرب الناس عند أن مات رسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه على الملأ وقال: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات).

والله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولكنه ميت، وهو حي حياة برزخية، حتى وفي حياته قبل موته صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يعطي الإنسان كل شيء.

إذاً ليس هناك الآن لنا سبيل إلى أن نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم حاجة من الحاجات، وإنما علينا أن نتقرب إلى الله عز وجل بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالصلاة عليه، وبالسلام عليه، وتكون محبتنا ليست محبة عاطفة، فليست محبتي ومحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمحباتنا لأزواجنا ولأولادنا، بل محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة متابعة يجب أن تكون أعظم من العاطفة ومن غيرها، وهؤلاء إذا قيل لهم: اتقوا الله، لا تتمسحوا بقبر رسول الله، هذا أمر لا ينفع ولا يضر، لا تسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام، بل اسألوا الله قالوا: أنتم لا تحبون الرسول صلى الله عليه وسلم.

ووالله إننا لأشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ولذلك فإن علينا أن نلتزم، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قائلهم: (ألا إني متبع، ولست بمبتدع).

ونحن علينا أن نتبع وأن لا نبتدع؛ لأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما الاتباع فقد أمرنا به، كما قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، ولذلك فإني أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يهدي هؤلاء الذين ضلوا الطريق ففهموا هذا الدين على غير حقيقته إن أحسنا بهم الظن، وإلا فإنهم قد أساءوا إلى هذا الدين، وصرفوا أنواعاً من العبادة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى صرفوها لمخلوق من المخلوقين، أسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.