للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأييد الله لأوليائه في أحلك الظروف وأشدها]

جعل الله عز وجل لأوليائه الصالحين في أحلك المواقف وأصعب الظروف فرجاً ومخرجاً، ويتضح هذا الأمر بجلاء من خلال ما حصل من امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام، لما جاء العزيز زوجها ووجد المرأة تلاحق يوسف عليه السلام داخل الدار، فقلبت القضية وجعلت يوسف عليه السلام كأنه هو الذي يراودها عن نفسها، وهذا الظلم شديد الوقوع على النفس {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء:١١٢] فقلبت القضية ضد يوسف عليه السلام، وادعت أن يوسف عليه السلام يلاحقها ويراودها عن نفسها، وليس لدى يوسف عليه السلام من الأدلة ما يستطيع أن يبرئ به نفسه؛ لأنه ضعيف مغلوب على أمره، خادم داخل البيت كالرقيق يباع ويشترى، من سيدافع عنه في مثل هذه الحال؟ ومن سيعيد إليه ماء وجهه وكرامته؟ ومن سيرد إليه اعتباره؟ فتلك المرأة اتهمته زوراً وبهتاناً حيث قالت: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:٢٥].

ولكن الله عز وجل الذي بيده مقاليد السماوات والأرض أنطق طفلاً رضيعاً مازال في المهد في بيت امرأة العزيز، وشهد شهادة حق، وجعل هذه الشهادة مؤيدة بالبينات الواضحة {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:٢٦ - ٢٧] فأصبح العزيز أمام الأمر الواقع، فعرف أن الذي فعل هذه الجريمة هو زوجته وليس يوسف عليه الصلاة والسلام.

فأظهر الله عز وجل براءة يوسف عليه السلام بطريقة ما كان أحد يفكر فيها أو يتصورها، وما كان يوسف عليه السلام يظن أن طفلاً في المهد سوف ينطق ليشهد ببراءته، فإن هذه تعتبر آية من آيات الله عز وجل، وهكذا يظهر الله عز وجل الحق على لسان ذلك الطفل الرضيع.

ولقد وصل ضعف الغيرة ببعض الرجال إلى أنه يرى زوجته تراود شاباً ثم لا يتمعر وجهه ولا يغضب لمحارمه فضلاً أن يغضب لله عز وجل، ولذلك تجد أن العزيز لم يغضب لما تأكد أن زوجته فيها فساد في فطرتها وانحراف في أخلاقها، وإنما قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} [يوسف:٢٩] وهذا في الحقيقة ليس موقف الرجال حينما يرون الخنا في أهليهم، نسأل الله السلامة والعافية، وهذه الدياثة التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) فالرجل العاقل ذو الغيرة عليه أن يغضب في مثل هذه الأمور، وأن يضع حداً لهذه الزوجة التي تسعى إلى الفاحشة بنفسها، نسأل الله السلامة والعافية.