للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تشبيه الله عز وجل لنوره بمشكاة فيها مصباح ووجه التشبيه في ذلك]

قوله: (كمشكاة) المشكاة هي الكوة في الجدار التي لا تنفذ إلى الوراء؛ لأنها تعكس النور إلى الأمام، هذه هي المشكاة، أو المراد بالمشكاة فتيل السراج.

قوله: (فِيهَا مِصْبَاحٌ) المصباح معناه السراج.

(الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) والزجاجة هي الأجسام الشفافة التي تشف عما وراءها؛ لأنها تزيد الضوء ضياءً.

قوله: (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) الكوكب معناه: النجم، أو النجم الكبير، وفي قراءة سبعية (دريء) بالهمز، من الدرء، ومعناها: قذف الأنوار القوية.

ثم وصف الله عز وجل السراج مرة أخرى فقال: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) أي: والذي يوقد هو السراج، والشجرة المباركة هنا هي شجرة الزيتون.

ثم وصف الله عز وجل شجرة الزيتون التي يؤخذ منها الزيت الذي يوضع في هذا السراج بالذات، حيث يقول: (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) والشرقية هي الشجرة التي تصيبها الشمس في وقت الشروق، والغربية هي الشجرة التي تصيبها الشمس في وقت الغروب، لكن هذه الشجرة ليست شرقية فحسب، وليست غربية فحسب، لكنها شرقية غربية، أي أن شجرة الزيتون إذا طلعت الشمس أصابتها في وقت الشروق، ولا تغيب عن الشمس حتى تغرب فتصيبها في وقت الغروب؛ لأنها شجرة منفصلة عن غيرها، فيحسن زيتها ويحسن ثمرها، فيصبح زيتها لماعاً، بحيث لو نظرت إليه لرأيت كأنه يضيء دون أن تمسه النار، فكيف إذا وضع في السراج ومسته النار؟! ثم وصف الله عز وجل هذا الزيت بقوله: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ)، فالنور الأول هو نور الكوة غير النافذة التي تعكس الضوء، مع نور آخر وهو نور الزجاجة، مع نور السراج الذي وضع فيه زيت شجرة الزيتون التي ليست بشرقية فقط ولا غربية فقط لكنها شرقية غربية، فهذه أنوار شديدة.

وهذا هو المشبه به، فأين المشبه؟ المشبه هو قلب المؤمن، أو الإيمان الذي يقذفه الله عز وجل في قلب المؤمن.

فتقدير هذه الآية: مثل نور الله عز وجل المخلوق الذي وضع في قلب المؤمن حتى يعرف به الحلال من الحرام، والضار من النافع، والخير من الشر، كمثل نور ذلك المصباح الذي وضع في كوة غير نافذة، ووضعت عليه زجاجة وأشعل فيه زيت زيتونة ليست شرقية فحسب ولا غربية فحسب، ولكنها شرقية غربية.

هذا هو المشبه وهذا المشبه به، ووجه الشبه هو اللمعان الشديد.