للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة]

قوله تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:٣٧].

قوله: (رجال) هذه الكلمة لها معنيان: الأول معروف، والثاني لا يعرفه إلا القليل من الناس، والمقصود هنا الاثنان جميعاً.

المعنى الأول: كلمة رجل ضد الأنثى، تقول: هذا رجل وهذه امرأة.

وهذا المعنى يعرفه كل الناس.

المعنى الثاني: أن كلمة رجل تدل على تعظيم هذا الجنس من الرجال، ولذلك لا ترد أو قل أن ترد كلمة (رجال) في القرآن أو في السنة إلا وتدل على معنىً آخر غير معنى الذكورية زيادة على معنى الذكورية، مثلاً: ابنك أعجبك عمله فتقول له: أنت رجل.

فأنت لا تقصد بقولك: (أنت رجل) ضد الأنثى، لا؛ لأنه يعرف أنه رجل، وأنت تعرف قبل ذلك أنه رجل، لكنك تقصد بذلك أنه قد اكتملت فيه معنى الرجولة فأصبح في مستوى الرجال، ولذلك قوله: (رجال) هنا ليس معناها ذكوراً فقط، وإن كانت تعطينا معنىً وحكماً شرعياً بأن صلاة الجماعة لا تجب على الإناث وإنما تجب على الذكور فقط، لكن كلمة (رجال) تعطينا معنىً آخر، وهو أنه قد استكملوا صفات الرجولة فأصبحوا في مستوى الرجال وفي مصاف الرجال حقاً، ولذلك لم ترد إلا نادراً كلمة (رجال) في القرآن كهذه؛ لأنها مدحت أهل المساجد فقالت: (رجال) وفي ذكر الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} [يوسف:١٠٩]، وفي ذكر المجاهدين في سبيل الله: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]، ووردت في صفة أهل الأعراف: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف:٤٦]، وهذه كلها تدل على تعظيم ورفع مستوى هؤلاء الرجال، أي: ليسوا ذكوراً فحسب ولكنهم رجال، ولذلك جاءت بلفظ التنكير، والتنكير دائماً يدل إما على التحقير أو على التعظيم، والمراد به هنا التعظيم.

إذاً قوله: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ) أي: ذكور وصلوا إلى مستوى الرجال حقاً، فأصبحوا يستحقون كلمة (رجال) التي لا يستحقها كثير من الناس.