للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخدوعون]

يقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:٣٩] هذا القسم مخدوع يظن أنه يعمل الصالحات، لكن عمله لا يقبل عند الله لأحد ثلاثة أسباب: إما أن هذا العمل يفقد الإيمان, أو أن هذا العمل يفقد الإخلاص لله عز وجل، أو أنه يفقد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن أي عمل لا تتوافر فيه هذه الشروط الثلاثة -إيمان، وإخلاص، ومتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم- لا يقبل عند الله عز وجل، وهذا هو العمل الصالح الخالص الذي يقوم على قاعدة الإيمان.

قد يقدم المرء كل ماله ويفتح به المدارس والمستشفيات ويبني القناطر والترع والجسور، ويقدم كل أفعال الخير للناس، لكنه يقدم ذلك بدافع الإنسانية، وقد يصوم ويصلي ويؤدي الواجبات، لكنه غير مؤمن في قرارة نفسه وغير مقتنع بالدين من أصله، وقد يؤدي أعمالاً نعجز نحن أن نؤدي جزءاً منها، لكنها لا تبدأ ولا تنتهي بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كلما أعجبه شيء من هذه الأعمال فعله، ونسي أن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣]، فكلما أعجبه شيء من العبادات فعله، وهكذا حتى إذا قدم على الله لا يجد شيئاً من هذه الأعمال أبداً.

فما هو مثل هذه الرجل الذي لا يقوم عمله على الإخلاص والمتابعة والإيمان؟ مثله كمثل إنسان كان يسير في صحراء فعطش وليس معه ماء، وكان في شدة القيظ والحر، فرأى من بعيد شيئاً كالماء على سطح الأرض يسميه أهل اللغة (السراب) وسمي السراب لأنه يتسرب كما يتسرب الماء، وإذا كان ممتداً بين السماء والأرض يسمونه (الآل) فصار يركض وراء هذا السراب, وكلما قرب من هذا السراب ابتعد هذا السراب، حتى يهلك دون هذا السراب، حتى السراب لم يجده فضلاً عن أن يجد الماء, هذا هو المثل الذي ضربه الله عز وجل لمن عمله ظاهره الخير وباطنه الفساد.

فيكون العمل فاسداً ولو كان ظاهره الخير إذا فقد أحد ثلاثة شروط: الإيمان بالله عز وجل، والإخلاص لله سبحانه وتعالى، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم, فبدون هذه الشروط يكون العمل كالسراب، وفي آية أخرى قال الله عز وجل: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم:١٨] فلو هبت الريح على رماد فإنها لا تترك منه ذرة واحدة.

قوله: (بقيعة) أي: أرض مستوية.

قوله: (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً) أي: ولا سراباً.

أما في يوم القيامة فأعماله هذه يجدها، قال سبحانه: (ووجد الله عنده فوفاه حسابه) أي: لم يظلمه الله.

لكن عمله كان فاسداً؛ لأنه لا يقوم على قاعدة الإيمان والإخلاص والمتابعة، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فأرسل المرسلين ليكونوا قدوة للبشر، ولينذروهم وليبشروهم.

وهذا المثل ضربه الله عز وجل للذي لا يأخذ منهجه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذ منهجه من آبائه وأجداده، أو من مجتمعه ولو كان المجتمع منحلاً أو فاسداً، قال الله عنهم وعن رسولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:٢٣ - ٢٤].

إذاً المسلم يأخذ دينه من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء الموثوقين الذين يثق بإيمانهم ودينهم، وليحذر التقليد، خاصة في أصول دينه؛ لأنه حينما يقلد في أصول دينه يسير على منهج آبائه وأجداده، وقد يضل الطريق من هذه الناحية، فيكون عمله -نسأل الله العافية والسلامة- كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.