للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة على دين الله يعترضها الابتلاء]

أيها الإخوة! الاستقامة معناها الالتزام بهذا الدين، لا سيما في فترة يتغير فيها الناس عن منهج الله ويتنكبون فيها عن دين الله، لا بد في مثل هذه الظروف من الاستقامة، لاسيما حينما تكون هناك ضغوط تضطر المسلم إلى أن ينحرف، وتكون هناك مغريات، لاسيما أهم عامل من عوامل الاستقامة الذي هو الصدع بكلمة الحق التي تعتبر أفضل نوع من أنواع الجهاد، لاسيما أمام سلطان جائر يريد أن يذل من أعز الله بطاعته، ويعز من أذله الله عز وجل بمعصيته، ففي مثل هذه الظروف يأتي ذلك المسلم ويستقيم على هذا المنهج، ويقول كلمة الحق ولا يبالي، وهذا أفضل نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى.

ولذلك هذه العقبة كئود وشديدة إذا وصل الأمر إلى هذا النوع من الجهاد، لاسيما إذا تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية وأصبحت الطريق وعرة وصعبة، ومن المؤكد أن هذه الطريق غير ممهدة ولا مذللة، ففيها عقبات فيها زلزلة فيها دماء تراق في سبيل الله فيها ابتلاء في الأهل والمال والولد، ولذلك وصف الله تعالى هذه الطريق ووعورتها بأنها شديدة كما في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة:٢١٤] ما مقدار هذه الزلزلة؟ {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤].

تصور يا أخي كيف يقول الرسول متى نصر الله؟! كيف المؤمنون مع المرسلين يقولون: متى نصر الله؟! و (متى) هنا ليست للاستفهام فقط، بل هي للاستبطاء، يعني: أبطأ نصر الله، ثم يأتي نصر الله في مثل هذه الظروف قال تعالى: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤].

ولذلك فإن أكبر عقبة في طريق الاستقامة أن يتحزب أعداء الإسلام ضد هذا الدين، فلربما يؤدي ذلك إلى الخوف والرعب، والرجوع من منتصف الطريق، وإلى النكوص على الأعقاب نسأل الله العافية والسلامة! وكم من الناس من يبتلى في مثل هذه العصور بهذا النوع من الفتنة فيرجع من منتصف الطريق قبل أن يكمل المشوار إلى الله عز وجل؛ ولذلك يقول الله تعالى عن أقوام فكروا في الاستقامة على هذا المنهج لكنهم فوجئوا بأذى شديد في سبيل الله وفي ذات الله، وكان إيمانهم ضعيفاً مهتزاً لا يستطيع أن يتحمل هذا العبء الثقيل، فرجعوا من منتصف الطريق وقالوا: نحن هربنا من عقوبة يقصدون عقوبة الآخرة، ووقعنا الآن في عقوبة محققة مؤكدة نراها بأعيننا، من الأفضل أن نتحمل عقوبة موعودة ولا نستطيع أن نتحمل عقوبة حاضرة؛ لأن الإيمان ضعيف، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [العنكبوت:١٠] أي: من أجل دين الله {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:١٠] أتدرون ما فتنة الناس؟ أي: عذاب الدنيا، سجون، أذى، قتل في سبيل الله إلى غير ذلك.

لكن هناك أقوام آخرون بمقدار ما يضرم الجو أمام أعينهم ويشتد الأمر تستبين لهم الطريق، ويطمئنون على صحة المسار، ويعرفون أنهم يسيرون على بصيرة بمقدار ما يؤذون في دين الله وذات الله، فيعتبرون هذا الأذى أكبر دليل على أن الطريق الصحيحة هي التي سلوكها، فيزدادون إيماناً وتسليماً، ولذلك يقول الله تعالى عن هذا النوع من البشر: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢].