للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك الركون إلى الكفار]

ثم العنصر الثاني من مقومات الاستقامة: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣]: والركون إلى الكافرين هو الميل بحيث تتخذ الكافر ركناً تعتمد عليه بدل أن تعتمد على المسلمين بعد الله سبحانه وتعالى.

والمسلم لا يركن إلى أعدائه ولا يميل، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لامه الله عز وجل لما فكر أن يميل شيئاً قليلاً، وأن يركن شيئاً قليلاً إلى الكافرين، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء:٧٤ - ٧٥].

والرسول صلى الله عليه وسلم وهو يفكر أن يركن قليلاً لمصلحة الإسلام وللدعوة؛ لعله أن يكسب القوم ليستقيموا على دين الله، ومع ذلك يقول الله تعالى: لو فعلت ذلك يا محمد وأنت خير البرية (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) فركون المسلمين إلى الكافرين واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين أمر عظيم، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:١].

مودة الكافرين أمر عظيم عند الله ولو كانوا أقرب الناس منا، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [المجادلة:٢٢].

أيها الإخوة! إن الميل إلى الكافرين سواء كان بمحبة أو اعتماد عليهم من دون الله عز وجل، أو موادة، أو ابتسامة في وجوه الكافرين حرام، حتى السلام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام) ولا نفسح لهم المجال في بلاد المسلمين بحيث يرفعون رءوسهم والمسلمون يخفضون رءوسهم، قال صلى الله عليه وسلم (وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).

وليس معنى ذلك أن نؤذي الكافرين المعاهدين، بل علينا ألا نتركهم يرفعون رءوسهم في بلاد المسلمين بحيث يخفض المسلمون رءوسهم أمام هؤلاء الكافرين.

قال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} أي: تصيبكم، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [هود:١١٣].