للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لزوم الصبر]

يقول الله تعالى عن الأمر الرابع: كم من الناس من هو في خير لكن طال عليه الأمد فقسا قلبه نسأل الله العافية والسلامة، ولذلك فإن المسلم مطالب بالصبر بكل أنواعه: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله.

وهذه الثلاثة الأنواع من الصبر كلها يحتاج إليها المؤمن في حياته، فيصبر نفسه على طاعة الله، لما يوجد في طاعة الله من المشقة.

ويصبر عن معصية الله؛ لما في معصية الله من الشهوة.

ويصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لما في أقدار الله عز وجل من الأذى والتعب، الذي قد لا يستطيع الإنسان أن يتحمله.

وطريق الجنة -كما نعرف- محفوف بالمكاره، كما أن طريق النار محفوف بالشهوات، قال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وفي الحديث: (إن الله عز وجل حينما خلق الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب جبريل إلى الجنة، فوجدها جنات تجري من تحتها الأنهار، رجع فقال: وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر الله عز وجل بها فحفت بالمكاره) فصلاة الفجر تأمر المسلم بأن يقوم في ساعة لذة النوم التي ينام عنها كثير من المسلمين اليوم، والتهجد والصيام فيه مشقة، وكذلك غيره من العبادات، الجهاد في سبيل الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك فيه شيء من المشقة.

(ثم خلق الله عز وجل النار فقال لجبريل: اذهب فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فلما جاءها يأكل بعضها البعض -نسأل الله العافية والسلامة- رجع وقال: وعزتك وجلالك لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر الله عز وجل بها فحفت بالشهوات) المحرمات اللذيذة، النوم عن الصلوات المكتوبة البخل بالزكاة التمتع بالمال فيما حرم الله الزنا وما فيه من لذة ومتعة السرقة إلى غير ذلك من الشهوات التي تميل إليها فطرة كثير من الناس.

(فلما رآها قد حفت بالشهوات رجع وقال: وعزتك وجلالك خشيت ألا ينجو منها أحد)، نسأل الله العافية والسلامة.

فالله تعالى هنا يقول: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:١١٥] والإحسان معناه: إتقان العمل، ومراقبة الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر لربما تعجز عنه النفوس الصغار التي لا تشتاق إلى الجنة وإلى لقاء الله عز وجل، لكن النفوس الكبار التي تعشق هذا النعيم لا تبالي في طريق الجنة بأي مكروه من هذه المكاره.

ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة).