للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلو في الأرض له نهاية مؤلمة]

الآية الثانية: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص:٤]، إذاً: التسلط على الشعوب، وأذية الأمم، والجلوس لهم بالمرصاد، هذا أخطر شيء في حياة الأمم؛ لأن الإنسان حينما يعصي بينه وبين ربه سبحانه وتعالى فهذه معصية تحت مشيئة الله عز وجل وإرادته، ما لم تصل إلى درجة الكفر أو الشرك، لكن إذا وصل إلى استذلال الأمم، وأذية المؤمنين، فهذا أخطر شيء في دمار الدول ونهايتها وسقوطها في أقرب وقت ممكن، ولذلك هذا هو الذي عجل نهايته، قال تعالى: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص:٤].

ولذلك فإننا نقول لكل زعيم يريد أن يحكم بحكم الله في هذه الأرض: أنه ليست مهنته استذلال البشر؛ لأن استذلال البشر معناه أن يضعف القاعدة التي يقوم عليها؛ لأنه لا يقوم سلطان لأحد في هذه الأرض إلا على قاعدة، وهذه القاعدة هم هؤلاء المؤمنون الأتقياء الصالحون، فحينما يستضعفون ويستذلون، وتسلط عليهم الأضواء، وتتابع أنفاسهم إلى غير ذلك، وتفسر وتؤول كلماتهم خلاف ما يريدون، ويؤدي ذلك إلى أن تنشأ أمة ضعيفة هزيلة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وعن كيان أمتها، يؤدي ذلك إلى ضعفهم وعدم قدرتهم على البقاء.

وهذا هو الذي أحدثه فرعون أضعف القاعدة، واستذل الأمة، وصار يذبح الأبناء، ويستحيي النساء؛ لأنه كان من المفسدين، هو لا يريد الإصلاح، لو أراد الإصلاح لكان الأمر غير ذلك، إذاً: الذي حدث هو استذلال هذه الأمة فأدى ذلك إلى سقوط ملكه ونهايته.

قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٤]، وكلمة: (من المفسدين) دليل على أنه ليس هو وحده المفسد، فالمفسدون في القديم وفي الحديث موجودون، والعجيب أن هؤلاء المفسدين من طبيعتهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١]، قال الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة:١٢].