للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإثم على قدر المشاركة في الصد عن سبيل الله]

قال تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:٨]، هل يمكن لأحد أن يلتقط طفلاً ليكون له عدواً وحزناً؟ لا يمكن ذلك، إذاً: آل فرعون حينما التقطوه ما كانوا يظنون أنه سوف يكون لهم عدواً وحزناً؛ بل كانت تقول امرأة فرعون لفرعون تجاه هذا الطفل: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص:٩]، لكن الله تعالى حكم بأنه سوف يكون لهم عدواً وحزناً، وحكم بأن هذا الطفل سوف يسقط هذه الإمبراطورية العظيمة التي مضت عليها آلاف السنين، سوف يسقطها هذا الطفل بإذن الله عز وجل، وبقدرة الله عز وجل الغالبة، فاللام هنا ليست للتعليل كما يقول المفسرون، وإنما هي للصيرورة، أي: سوف يصير الأمر إلى أن يصبح هذا الطفل الذي يتربى في حجر فرعون عدواً لهم وحزناً، ثم ينهي هذا الظلم والطغيان الذي مضت عليه مدة طويلة من الزمن على يد هذا الطفل، حينما يبلغ سن الرجال ويوحي الله عز وجل إليه.

يقول تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨]، وهذا درس آخر، فرعون هو الطاغية الأول، وهامان الذي كان وزيره، لكن ما مصير الجنود؟ قد يقال: الجنود إنما هم منفذون للأوامر، كما يفعله جنود كثر في أيامنا الحاضرة، يفتكون بالمؤمنين والعياذ بالله، وينفذون أوامر الطواغيت في الأرض، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله، قال: أنا تصدر لي أوامر فأنفذها، أنا بريء كيف يكون بريئاً والله تعالى يقول: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨]؟! إذاً: أنت حينما تنفذ أمر طاغوت في هذه الأرض إنما أنت كجندي من جنود آل فرعون الذين حكم الله عز وجل بأنهم ظالمون، كما أن فرعون وهامان كانوا ظالمين، من أكبر جندي إلى أصغر جندي من أكبر مسئول إلى أصغر مسئول، كلهم يشاركون الطواغيت في تنفيذ أوامر تنافي أوامر الله عز وجل، أو تؤذي المؤمنين؛ فإنهم يشتركون في الجريمة سواءً بسواء: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨]، إذاً: المسألة مسألة اشتراك ولو بكلمة، ولو بكتبة قلم، ولو بأقل من ذلك، ولو بإشارة، ما دام أنه قد ساهم في مساعدة طاغية من طغاة البشر؛ فلابد أن يساهم في الخطأ الذي اقترفه هؤلاء، ولا بد أن يساهم في الإثم، وأن يكون له نصيب كنصيب ذلك الذي يصدر الأوامر التي تنافي أوامر الله عز وجل، فالمسألة ليست مسألة تنفيذ أوامر ما دامت تتنافى مع أوامر الله عز وجل، وإنما المسألة مسألة خطأ مشترك يشترك فيه أكبر طاغوت في الأرض يصدر الأمر، إلى أصغر صعلوك يستطيع أن يساهم في تنفيذ هذا الأمر الذي يتنافى مع أمر الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} [القصص:٨] جميعاً، {كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨].