للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موسى عليه السلام يذهب إلى والد المرأتين فيؤمنه]

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:٢٥] , ثم يذهب موسى عليه الصلاة والسلام إلى صاحب مدين ويخبره بالقصة, فيطمئنه صاحب مدين بأنه لا خوف عليه بعد اليوم، انتهى عصر الخوف بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام، وأنه دخل في أرض أمان بأنه من الآمنين كما شهد الله عز وجل؛ لأن الأمن لا يأتي إلا مع الإيمان، ومع طاعة الله عز وجل: {إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} [القصص:٣١]، {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:١٠]، وهنا يقول له صاحب مدين: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٥] الذين هم آل فرعون.

إذاً: ما هو السر في هذا الأمن؟ وأين يكون الأمن؟ وكيف تبحث الأمم عن هذا الأمن؟ وفي أي مكان؟ إن الأمن مع الإيمان، كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].

وعلى هذا فإن أي حاكم يريد أن يحكم هذا العالم ويريد أن يأخذهم بطريق القوة ليقرر قواعد الأمن بالقوة فإنه لن يستطيع، وأي حاكم يحكم هذا العالم يريد أن يقرر قواعد الأمن والاستقرار من خلال اللهو واللعب والمسرحيات والترف والنعيم والفساد وإغداق الأموال فلن يستطيع؛ لأن هذه الشعوب مهما بلغت من الترف والنعيم والفساد لا بد أن تستيقظ في يوم من الأيام كما استيقظت في أيامنا الحاضرة، ثم ترفض هذا النعيم وهذا الترف والمتاع، ثم لا ينتبه الذين أذابوها في مجتمع مترف إلا على الجماجم والأشلاء، وهذا هو الذي يحدث في عالمنا اليوم.

كذلك من يريد أن يحكم هذا العالم ويقرر قواعد الأمن بقوة الحديد والنار فإنه لن يستطيع ذلك، فإن الشيوعية قدمت ستين مليوناً من البشر في فترة وجيزة في عهد إستالين، تريد أن تقرر قواعد الأمن في بلادها، فما استطاعت أن تقرر قواعد الأمن أبداً، ثم سقطت الشيوعية وعاد الناس إلى دينهم وفطرتهم الصحيحة.

وفي أفغانستان اثنا عشر عاماً والحرب تدمر المسلمين، وقتل ما يزيد على مليون مسلم، ودمرت منازلهم وشردوا، وما استطاعت الشيوعية في أفغانستان أن تثبت أقدامها فضلاً عن أن تقرر قواعد الأمن.

إذاً: ما هو الطريق للأمن؟ الطريق لا تخف؛ لأنك رجل سيرتك معروفة: {نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٥]، ولذلك خاض العالم حربين عالميتين الحرب العالمية الأولى والثانية، وقتل فيها أكثر من ثمانين مليوناً من البشر، وشوه فيها أكثر من ذلك، ودمر فيها من الأموال والثروات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل؛ بحثاً عن الأمن، وما استطاعوا أن يقيموا قواعد الأمن في بلادهم، ولكن إذا أرادت أمة أن تثبت الأمن في بلادها فإن عليها أن تسعى إلى أن تثبته من خلال تربية الشعوب على طاعة الله عز وجل، تفتح المجال للدعوة إلى الله عز وجل، تشجع الدعاة وتعطيهم الحرية الكاملة، ادعوا إلى الله ربوا الشعوب فإذا تربت الشعوب على طاعة الله وعلى أيدي الدعاة والمصلحين؛ حينئذ يتحقق الأمن لهذه الأمة أياً كانت الظروف المحيطة بها، ولو كان كل الناس يحيطون بها من كل جانب، ولو كان الأعداء يتكالبون عليها من كل فج عميق، ما دامت قد أقامت شرع الله عز وجل في الأرض، وما دامت قد أقرت قواعد الدعوة إلى الله عز وجل، وأعطت الدعاة الحرية لأن يدعوا الناس إلى دين الله عز وجل دعوة صحيحة، وأن يقودوهم إلى طريق السعادة، هنا يتحقق الأمن؛ لأن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]، ولذلك يقول الله تعالى هنا عن رجل مدين أنه قال لموسى: (لا تَخَفْ)، حينما علم سيرته، {نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٥].