للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تثبيت الدعاة والمصلحين للأتباع وتحذيرهم من الزيغ والنكوص]

ثم أيضاً نجد في المقابل أن المصلحين دائماً يحذرون الأتباع من أن يزيغوا في مثل هذه الفترة العصيبة التي ربما يتعرض فيها الإنسان لهزة من الهزات التي ترغبه في الدنيا وتزهده في الحياة الآخرة، أو تخيفه من الموت حينما يغفل أن الموت قدر وأجل من عند الله عز وجل.

فنجد أيضاً أن المصلحين يدعون فيقولون: اثبتوا على هذا الطريق، فنجد موسى عليه الصلاة والسلام يحرضهم على الثبات: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:١٢٨] موسى أصبح يخاطب الذين ينظرون إلى هؤلاء القوم وهي تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، حتى لا يتراجعوا عن منهجهم الصحيح الذي اقتنعوا به، فيوجه إليهم وسيلة تثبتهم بإذن الله عز وجل ويقول: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:١٢٨]، والعجيب أن موسى يقول هذا في فترة ما كان يملك شيئاً من الأرض، ولا كان يملك شيئاً من السلطة، وإنما يملك فقط آية من آيات الله عز وجل، لكنه واثق بأن الأرض ليست ملكاً لأحد، وليست ملكاً لطاغوت أو لحاكم يظن أن هذه الأرض هي له وسوف تبقى له، ولا أحد يستطيع أن ينازعه إياها، فإذا قام المصلحون يريدون تطبيق شرع الله عز وجل في الأرض في أمة من الأمم خاف أولئك على هذه الأرض، فأصبحوا يبطشون بالمسلمين كل البطش خوفاً على هذه الأرض، ويظنون أن هذه الأرض ملك لهم، والعجيب أن يكون من ورائهم من يعتقد هذه العقيدة، ويظن أن هذه الأرض لفلان وليست لفلان، وأن فلاناً صاحب السلطة لو خرج من ينازعه في هذه الأرض لا يريد الأرض ذاتها، وإنما يريد أن يقيم شرع الله وحكم الله في هذه الأرض، يتصور طائفة من الناس أن هؤلاء ليسوا كفئاً لأن يكونوا في هذا المستوى، فيبنون الأرض لفلان أو لفلان أو لصاحب السلطة، ثم بعد ذلك لا يفكر أحدهم أن هذه الأرض سوف ترجع إلى أصحابها الشرعيين، فالأرض لست ملكاً لهؤلاء الطواغيت الذين يحكمون الناس بغير شرع الله عز وجل، الأرض كما قال الله تعالى هنا: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:١٢٨] فقد يملكها اليوم رجل، وفي الصباح الباكر في ملك رجل آخر، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦].

فهذه هي الأرض، وهي لمن أراد أن يحكمها بشرع الله، والقوم الذين يعيشون على هذه الأرض لا يتبعون إلا من يحكمهم بشرع الله عز وجل؛ ولذلك فقد أخبر الله عز وجل في آية أخرى أن الأرض للمؤمنين وليست للكفرة الذين يحكمون بغير شرع الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥] فهي للصالحين، وليست للفسقة الذين يأخذونها بطريق الانقلابات العسكرية، والثورات الدامية، واستغلال البشر، وملء السجون، ووضع المخيمات التي يسومون فيها المسلمين سوء العذاب، ويظنون أن هذا العرش ملك لهم، وأن هذه الأرض ورثوها كابراً عن كابر، الأرض ليست لهم وإنما هي لعباد الله الصالحين، كما أن الرزق في هذه الأرض وما في هذه الأرض من طيبات ليست ملكاً لأحد وإنما هي للمؤمنين، لكن في الدنيا يشاركهم فيها الكفرة والفسقة كما تشاركهم البهائم.

أما في الآخرة فإنها خالصة لهم من دون الناس، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:٣٢] هذه هي الأرض! وهذا هو الرزق! فالأرض ملك لله عز وجل يورثها من يشاء من عباده، والرزق هو رزق الله إنما هو للمؤمنين، ويأكل هؤلاء الكفرة والفسقة من فضلات المؤمنين، لكن المؤمنين يختصون بطيباتها وبرزقها في الحياة الآخرة.

ولذلك فإن من ظن أن الإسلام لا يستحق أن يحكم هذه الحياة، وأن هؤلاء الذين يطالبون بأن يحكموا بشرع الله أنهم متمردون، أو أنهم بغاة أو أنهم خارجون، من يعتقد مثل هذا الاعتقاد فقد ذهب بعيداً عن المنهج الصحيح، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والأرض لا يرثها إلا عباد الله الصالحون، ولربما تطول فترة من الزمن تصبح هذه الأرض في أيدي غير أصحابها الشرعيين ابتلاءً من الله عز وجل؛ ليعيش أصحابها الشرعيون الذين يجب أن يملكوا هذه الأرض في غياهب السجون أو في المعتقلات أو في المخيمات التي يحكمون فيها بقوة الحديد والنار، لكن هذه إنما هي فترة مؤقتة ومحددة، وسوف يأتي ذلك اليوم القريب الذي تعود فيها الأرض لأهلها الشرعيين، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، الذين يطالبون بشرع الله، ويقدم لهم الطواغيت الطعام والمغريات فيقول أحدهم: نحن نطالب بتطبيق شرع الله، نحن لا نريد حتى وسائل المتاع البسيطة، وإنما نريد أن نحكم بشرع الله عز وجل، هؤلاء هم أهلها الشرعيون طال الزمن أو قصر، فلا بد بإذن الله عز وجل أن يتحقق هذا الوعد؛ لأن الله تعالى أقسم على ذلك فقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا) (ولقد) الواو هنا للقسم، واللام للقسم، وأكد الفعل بـ (قد) من المؤكدات للفعل الماضي (فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي: من بعد التوراة (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، وهو يرد أيضاً في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].

فلا يستطيل المؤمن الطريق مهما كانت وعرة، ومهما كانت صعبة، ومهما رأينا إخواننا يعيشون في عذاب ليروا أعداء الله عز وجل يحكمونهم بقوة الحديد والنار، فالذي أسقط الشيوعية بعد أن حكمت ثلاثة أرباع قرن من الزمان وهي تحكم أناساً بقوة الحديد والنار، سوف يسقط كل حكم طاغوت يريد أن يحكم هؤلاء الناس بعيدين عن شرع الله عز وجل بقوة الحديد والنار.