للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الصلح مع الكافرين]

إذاً: لابد من إصلاح ذات البين، ولابد أن يكون هناك اتفاق بين المسلمين، لكن هل هذا الإصلاح يقوم بين المؤمنين أنفسهم؟ أو يقوم بين المؤمنين والفاسقين والكافرين؟

الجواب

أما مع الكافرين فليس هناك إصلاح، بل لابد أن تكون حرب شعواء بين المسلمين وبين عدوهم لا تهدأ أبداً حتى يكون الدين كله لله، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أمر بالإصلاح إذا كان؛ لأن الاختلاف بين المسلمين في أمور جزئية، أما إذا كانت هناك كليات أو كانت هناك أمور هامة يختلف عليها المسلمون الصالحون والفاسقون ثم يأتي واحد ليتدخل ليصلح بين هؤلاء، فنقول: لا يقبل الإصلاح في مثل هذه الحال، وإنما الإصلاح يجب أن يكون بين المؤمنين.

وعندنا آيتان في القرآن: الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠].

والثانية: قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤]، فكيف نفعل بهذا العموم وهذا الخصوص؟ الجواب: نقول: الآية التي فيها الإصلاح بين الناس نحملها على الآية الخاصة: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠].

إذاً: الإصلاح ليس بين الناس عموماً، وإنما بين الناس المؤمنين أنفسهم.

وعلى هذا نقول: إذا كان الخلاف على هذا الدين ومن أجل أن تكون كلمة الله هي العليا فلا نقبل أي وساطة ولا نقبل أنصاف الحلول وأرباع الحلول في هذا الأمر، ولا نقبل إلا أن يكون الدين كله لله، ونرفض أي مبدأ أو أي ثغرة تريد أن تفرق بين المسلمين، أما إذا كان هناك خلاف بين المسلمين على أمر من الأمور الجزئية التي لا تؤثر على الدين فيجب الإصلاح في مثل هذه، وهذا هو الإصلاح الذي أشار الله تعالى إليه بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:١]، وهو الإصلاح الذي أشار الله تعالى إليه بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠]، ونحمل عليه الآية العامة في قول الله تعالى: {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤]، فإذا كان الإصلاح بين الناس لمصلحة هذا الدين فنقبله، وإذا كانت وساطة بين الكفار والمسلمين حتى يحصل تقارب فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يعتبر التقاءً مع الجاهلية في منتصف الطريق، والإسلام لا يقبل أي مفاهمة أو أي مفاوضة أو أي مساومة على دين الله سبحانه وتعالى.

فقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:١]؛ أمرهم بهذا لأنهم مؤمنون، وكلهم يسعون إلى الإصلاح وإلى الخير، لا إلى اختلاف جزئي في أمر من الأمور.