للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة المسلمين للإنفاق في سبيل الدعوة إلى الله]

إننا ندعو المسلمين إلى البذل حتى يكون بذلهم أكثر من بذلك أولئك الكافرين، لأمور: الأمر الأول: لأن الله سيخلف عليهم في الحياة الدنيا، وهم يؤمنون بهذا الإخلاف؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩].

الأمر الثاني: لأن الله تعالى ينمي هذا المال القليل الذي يبذله هذا الإنسان ولو كان قرشاً أو ريالاً إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، كما أخبر الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦١].

الأمر الثالث: أن المسلم إذا بذل المال للجهاد في سبيل الله، وللدعوة إلى الله، وللمحافظة على الكيان الإسلامي والأمة الإسلامية إنما يرجو بذلك الجنة، وأعداؤنا لا يرجون الجنة ولا يؤمنون بها، والله تعالى يقول لنا: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] فإن كان يؤلمك بذل المال فعدوك يؤلمه بذل المال أيضاً، لكنك ترجو من الله الجنة وترجو عز الإسلام ونصره في القريب العاجل، وهو لا يرجو إلا الفخر في الدنيا، فالمسلمون أولى ببذل هذا المال في سبيل الله عز وجل.

وقد أخبر الله عنهم بالفعل المضارع (ينفقون) (ليصدوا) وفي هذا إشارة إلى أن هذا الأمر (الإنفاق) و (الصد عن سبيل الله) يتجدد منهم باستمرار، والإخبار بالفعل الماضي يفيد ذلك، والله سبحانه وتعالى يريد أن يبين أن هذه قضية سننية تتكرر عبر التاريخ؛ أن الكفار يبذلون أموالهم دائماً وأبداً للصد عن دين الله عز وجل.

وأعجب ما رأيناه في ذلك: ما رأينا في مجاهل أفريقيا وغاباتها الموحشة رأينا شباباً في مستهل العمر من البنين والبنات، يأتون من أوروبا إلى أفريقيا يركبون البقر ليدعوا إلى النصرانية، وكنا ذات يوم في غابة من الغابات البعيدة عن الحضارة، والتي لا يستطيع أن يعيش فيها أبسط الناس؛ لما فيها من الأمراض، والحر الشديد، وقلة الماء والطعام، وكثرة البعوض والأوبئة، ورأينا هؤلاء يأتون من إيطاليا وغيرها من البلاد الأوروبية المترفة، ثم يعيشون في هذه البيئة السيئة الملوثة من أجل أن يربوا أبناء المسلمين على غير الفطرة، وعلى غير الملة، قلت: صدق الله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:٣٦].

ثم قلت: أين المسلمون؟! أليسوا هم أولى بتربية أبنائهم من هؤلاء؟! وفي تلك المناطق يعيش كثير من المسلمين المهاجرين من دول أفريقية مجاورة.

أيها الإخوة! أعداؤنا أنشط منا في الدعوة إلى مبدئهم الباطل ومنهجهم الفاسد، ونحن مطالبون بأن ننفر خفافاً وثقالاً لنجاهد في سبيل الله.

إن أولئك المنصرين يأخذون الطفل في أول أيام طفولته، وربما كان يحمل كل الأمراض، حتى المعدية منها تأخذه الفتاة المترفة المنعمة الرقيقة لتضعه في حجرها وتصنع له الطعام والعلاج وكأنه طفل من أطفالها، لولا أنه يختلف عنها في اللون.

إن أعداء الإسلام يضربون آباط الإبل من أقصى الدنيا من أجل أن يكفِّروا أبناء المسلمين، فإلى متى والمسلمون نيام وهؤلاء يفتنون أطفال المسلمين، ويربونهم على غير الملة ليكونوا في يوم من الأيام قُسُساً يدعون إلى منهج ودين محرَّف! إن الذين يحاربون المسلمين سوف ينهزمون حينما يعود المسلمون إلى دينهم {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} [الأنفال:٣٦]؛ سوف يتحسرون على أنهم أنفقوها ثم لم تتحقق بها أهدافهم {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦] في المعركة، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦]، فهذه هي نتائج نفقاتهم: غلبة في الدنيا، وحشر إلى جهنم في الآخرة، ما نفعتهم أموالهم، ولا جمعهم، ولا قوتهم؛ لأنهم ما أرادوا بذلك الحق، ولا أرادوا رضا الله عز وجل ولا الجنة.