للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

اعلم أن هذا العامل هو من أكبر العوامل وأهمها، واعلم أن الباطل منذ أن خلق الله الأرض وإلى يوم القيامة باق في هذه الأرض، ولكن لابد من أن تكون هناك دعوة حق تكافح هذا السوء وتقف في وجه هذا المنكر؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ} [هود:١١٦] مما يدل على أن الفساد في الأرض كان قديماً {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:١١٦]، ولذلك فإن الله عز وجل قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: فقسمان هالكان وقسم ناج، أما القسم الأول الهالك فهو فاعل الجريمة، والقسم الثاني هو الساكت عن الجريمة ويسميه العلماء شيطاناً أخرس، ولا ينجو إلا الذي ينهى عن السوء، وهو القسم الناجي.

فمن أغمض عينيه عن منكر فإنه سيسأل عن هذا المنكر يوم القيامة، وليس معنى ذلك التهور في إنكار المنكر، ولكن يجب إنكاره بحكمة، وليس معنى الحكمة اللين أيضاً، ولكن الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها.

يقول الله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:١٦٥] ذكر الله ثلاث طوائف في بني إسرائيل: طائفة فعلت المنكر وصارت تصيد السمك يوم السبت، وقد نهاهم الله عز وجل عن صيد السمك يوم السبت، ولم يصيدوه مباشرة وإنما استعملوا الحيلة، يضعون الشباك يوم الجمعة وينزعونها يوم الأحد، وبالرغم من أنهم يعملون الجريمة بطريقة غير مباشرة، فإن الله عز وجل أخذهم، وأخذ معهم قوماً يقولون: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف:١٦٤]، ونجى أمة واحدة هي التي قالت: اتركوا هذا المنكر واتقوا الله واحذروا سخطه.

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:١٦٥].

وأنت -يا أخي المسلم- إذا كنت تكره الانحراف الذي أصيب به العالم اليوم فإنه لا سبيل إلى الإصلاح إلا أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعتبر نفسك جندياً من جنود الله شاء الناس أم أبوا، وتعاهد الله عز وجل على أن تنكر هذا المنكر مهما عز المطلب ومهما غلا الثمن، وإلا فإنه يخشى عليك أن تكون من الذين يقول الله عز وجل فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:١٠].

وأنت -يا أخي- حينما تهرب من عقوبة الناس عليك أن تقارن بين عقوبة الناس وبين عذاب النار، إن أكثر ما يستطيع أن يفعله الناس بالناس حينما ينكرون المنكر ويقفون في وجوه الطغاة الذين كثير منهم اليوم يتسنم مراكز العالم الإسلامي إن أكثر ما يفعلونه هو القتل واغتيال هذه الروح، وهي لن تموت إلا بأجل بإذن الله عز وجل، والرزق أيضاً مقدر من عند الله سبحانه وتعالى، فأيهما أهون: هذا العذاب أم عذاب الآخرة الذي لا ينتهي أبداً؟ وهذا هو معنى قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} [العنكبوت:١٠] أي: عقوبتهم {كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:١٠] أي: عذاب يوم القيامة.

إذاً عليك -أخي المسلم- أن تكون جندياً من جنود الله، وأن تكون داعياً إلى الاستقامة على دين الله، محارباً للانحراف بجميع صنوفه وملله وأنواعه.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتني وإياك على هذا الأمر، وأن يتوفانا ونحن على ثغور الإسلام، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق، وأن يوفق قادة بلدنا وقادة العالم الإسلامي أجمع لأن يكونوا من الذين قال الله عز وجل فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.