للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الثاني: اللاهثون وراء الدنيا]

النوع الثاني من أنوع هؤلاء البشر كما قص القرآن علينا أخبارهم: هم الذين يقول الله عز وجل عنهم لما ذكر أحكام الحج، وذكر الناس وتفاوتهم: قال: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:٢٠٠]، هؤلاء القوم ليسوا بمنافقين، ولكنهم كفار غير مقنعين؛ بل هم مكشوفون، فليس لهم هدف إلا الدنيا، ولا يريدون إلا الدنيا، ويسعون كل سعيهم في سبيل الدنيا الدنيا هي همهم الوحيد؛ فمن أجلها يحبون، ومن أجلها يبغضون، ومن أجلها يوالون، ومن أجلها يعادون، وإيمانهم بالآخرة -إن كان هناك إيمان- ضعيف لا يمكن أن يقف على رجليه مع حبهم للدنيا، وحتى إذا سألوا الله تعالى لا يسألونه إلا الدنيا، فأحدهم: {يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:٢٠٠]، أي: آتنا في الدنيا حظاً ونصيباً، وليس له حظ في الآخرة؛ لا في دعائه ولا في عمله ولا في رجائه، ولا فيما عند الله عز وجل.

هؤلاء نجدهم اليوم أيضاً يكثرون بين الناس، ونجد أن أحدهم وإن كان له شيء من الهدف في الآخرة؛ لكنه يضرب بهذا الهدف عرض الحائط إذا تعارضت مصالحه المادية مع الدينية، فنجد أن هناك أقواماً ليسوا أعداءً للإسلام، ولا يحملون الحقد للإسلام كما يحمله غيرهم، ولكنهم يعتبرون هذا الدين شيئاً كمالياً، فإذا تعارضت مصالحهم المادية مع دينهم ضربوا بمصالحهم الدينية عرض الحائط، واتجهوا إلى الدنيا يصلحونها ويعمرونها، ولو أدى ذلك إلى خراب حياتهم الآخرة! هؤلاء الناس لا يريدون إلا الدنيا، والله تعالى أخبرنا بأن هؤلاء ليس لهم نصيب ولا خلاق في الآخرة، ولذلك فإن الله تعالى قد أخبرنا أنهم يأخذون نصيبهم كاملاً في الدنيا، فيعطون الصحة والعافية والمال والولد والجاه والمركز، جزاء ما يقدمونه في دنياهم من الأعمال التي لم تكن على قاعدة الإيمان والنية الخالصة الصادقة، فالله تعالى يقول عنهم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:١٥ - ١٦]، وإذا كان منهم من يبني المساجد أو المدارس أو المستشفيات أو المراكز أو القناطر أو الترع وينفع عباد الله، لكنه على غير هدف، وعلى غير الإيمان؛ فإن الله عز وجل يعجل لهم حسناتهم في الدنيا ويعطيهم الصحة والعافية والمال والولد؛ لأن الله تعالى كما يقول عن نفسه: {لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:٤٠].