للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحل حراماً ولا تحرم حلالاً. وقد قرر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القول الفصل في هذا الباب وهو أن الحكم يكون حسب الظاهر في حديث صحيح مشهور عند أهل العلم رواه أصحاب الكتاب التسعة وأسوق رواية تامة للحديث بزياداته لتوضيح المقام نظراً لأهميته وخطورته، فعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصومة بباب حجرته، فخرج فإذا رجلان من الأنصار جاءا يختصمان إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بينه إلا دعواهما في أرض قد تقادم شأنها، وهلك من يعرف أمرها، فقال لهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولم ينزل عليّ فيه شيء، وإني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن - أبلغ بحجَّته - من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له، فإني إنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً ظلماً بقوله فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يطوّق بها من سبع أرضين يأتي بها سِطاماً في عنقه يوم القيامة، فليأخذها أو ليدعها. فبكى الرجلان جميعاً لما سمعا ذلك وقال كل واحد منهما: يا رسول الله حقي هذا الذي اطلب لأخي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما

إذ قلتما هذا فاذهبا واقتسما، ثم توخيّا الحق فاجتهدا في قسم الأرض شطرين، ثم استهما، ثم ليُحَلل كل واحد منكما صاحبه] السطام هي الحديدة التي تحرك بها النار وتسعر، انظر الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص١٠٠ - ١٠١.

وقد ظهر جلياً من هذا الحديث أن حكم الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً وكذلك فتوى المفتي، قال الإمام البخاري في صحيحه باب من قُضي له بحق أخيه فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ثم ذكر إحدى روايات حديث أم سلمة رضي الله عنها السابق. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ١٣/ ٢١٤.

وأخيراً فإن المستفتي إذا حصل على فتوى توافق هواه وكان مخادعاً في سؤاله ومحتالاً للحصول على الجواب المناسب لحاله فعليه أن يعرض تلك الفتوى على قلبه ليرى هل قلبه مطمئن لها أم لا؟ فقد ورد في الحديث عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: جئت تسأل عن

<<  <  ج: ص:  >  >>