للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انحطاط قومه في المعتقد والأخلاق والمجتمع فتسمو به نفسه العظيمة عن البقاء في تلك البيئة المنحطة والوسط المريض، وتأبى عليه رحمته أن يتركهم فيما هم عليه فكان دائم الاهتمام بهم، دائم التفكير في الطريق الذي يسلكه لإنقاذهم.

[إنقباضه عنهم]

كان ينعزل عنهم ويذهب إلى غار حراء الليالي العديدة حاملاً عبء همه غارقاً في تفكيره. ولم يكن اختلاؤه في غار حراء مثل اختلاء متصوفة الهند الذين ينعزل أحدهم عن الناس ويذهب في أودية الخيال لتحصيل حالة نفسية خاصة به يعدها نعيماً روحياً. بل كان اختلاؤه وانعزاله للتفكير في طريق خلاص العالم من الضلال والقيام بخدمة عظيمة عامة البشر، وشتان ما بين الحالتين.

[نبوءته]

جاءه جبريل بالوحي وهداه الله بالنبوة إلى طريق الخلاص، وشرح صدره لما جاءه من الحق، ووضع عنه عبء ذلك الهم الثقيل وبعثه للعالمين بشيراً ونذيراً.

[الرحمة والقوة في شريعته]

ولو تتبعت أصول شريعته وفروعها وآدابها لوجدتها كلها مبنية على أساسي الرحمة والقوة. فليس من الإسلام ذلك التماوت وذلك التمسكن الذي يتظاهر به بعض الناس. وقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- وقد رأى قوما من هذا الصنف: "لا تميتوا علينا ديننا، أماتكم الله"، وقالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- وقد رأت قوما يتماوتون في مشيتهم، من هؤلاء؟ فقيل لها قوم من القراء، فقالت: "لقد كان عمر سيد القراء وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع".

<<  <  ج: ص:  >  >>