للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره أنه ساب راحلا من الموالي - ذكر بعضهم أنه بلال -فعيره بأمه وقال له يا ابن السوداء فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم (١) "يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية" فأنكر عليه تعييره بأمه وبين له أن فيه خلقا من أخلاق الجاهلية وهوا التعظم بالأنساب ثم بين له أدب الإسلام -دين الأخوة والعدل والإحسان الذي لا يفرق بين الأجناس ولا يفضل أحدا على أحد إلا بتقوى الله- فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - له: «إخوانكم خولكم (خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» فتربى أبو ذر بهذه التربية النبوية فلم تبقى له شدة إلا في الحق وكان يعامل مملوكه بما ندبه به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فكان يلبسه مثل لباسه فلقيه المعرور بالربدة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسأله عن ذلك إذ العادة جارية بأن لباس الغلام دون لباس مولاه فأجابه أبو ذر بالحديث المتقدم ليبين له أنه عامل بالوصاية النبوية.

كان أبو ذر شديدا في الحق وكان من مقتضى شدته أن لا يتسع صدره لما يرى مما يكره، فكان بهذا لا يستطيع معاشرة الناس ولا معاملتهم إذ لا بد أن يكون في الناس ما لا يرضيه منهم فهو لهذا يحب الانفراد عنهم وهو لهذا وذاك ضعيف عن القيام بالحكم بين الناس وعن الولاية على المال والرعاية للأيتام فلما قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ألا تستعلمني (٢) قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه فيها». فحذره من


(١) البخاري ومسلم.
(٢) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>