للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عبد العزيز الثعالبي]

هكذا أذكره دون لقب أو صفة فإن هذا الإسم لم يبق علما على ذات مشخصه تحتاج إلى صفاتها وألقابها، بل صار في أذهان الناس علما على الرجولة والبطولة والزعامة، وعلى التفكير والعمل والتضحية وعلى الإسلام والشرق والعروبة وعلى وحدة إفريقيا. فإذا قلت عبد العزيز الثعالبي فقد قلت هذا كله. أسرة الثعالبي جزائرية، وهو مولود بالجزائر وجده ممن شاهد بعضا من معارك الجزائر في رد الحملة الفرنسية وأصيب برصاص العدو، وبقيت آثاره في صدره، فكان يكشف عن ذلك الصدر لعبد العزيز في صغره ويذكر له الجزائر والاستيلاء عليها وهجرته هو وغيره من الجزائريين من ذلك الاستيلاء.

نشأ الثعالبي تونسيا ودرج للعلم زيتونيا وتعدت به عبقريته دائرة الكتب الزيتونية الدراسية الضيقة فأخذ يتناول كل ما تصل إليه يده من خزانة الجامع ومكتبة العبدلية وكانت مبائته بضع سنوات عدة. وكان ذهنه الحاد وحافظته القوية ورغبته الملحة مواهب أكسبته مما درس وقرأ نبوغا في الفهم والخطابة والكتابة: فبرز من جامع الزيتونة نابغة عبقريا غريبا شاذا بين أهل عصره شأن كل نابغة عبقري.

لقي عبد العزيز من الجامدين والمستبدين- وما زالا على الدهر متوالين- ما يلقاه مثله فعوكس وأوذي وسجن ولكنه لم يتزحزح قيد شعرة عما حبس نفسه عليه من إصلاح المجتمع من جميع نواحيه.

رحل الثعالبي للأزهر وحضر دروس البشري، وعاد إلى تونس وقد فتحت له الرحلة عالما آخرا وابتدأ تكونه العالمي بعد الإقليمي ورحل إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>