للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ماله أو أهله أو جاهه خصوصا إذا كان الرجل ممن تريضه سيرته في الجملة.

كان الشيخ يستنكف أن يأخذ شيئاً من أحد بلا مقابل مهما كان الواهب، فقد عرض عليه صديقه الأستاذ أحمد زكي باشا أن يوقع على طلب وهو يتعهد له براتب جيد من الأوقاف المصرية على عهد الخديوي عباس الثاني فتنصل واعتذر ولما اشتد صديقه في تقاضيه انتهره حتى لقد قال الأستاذ زكي باشا لو كنت أعتقد أن رجلاً يعيش من تحت السجادة لاعتقدت ذلك في الشيخ طاهر لأنه يقيم في بلد كمصر يشكو فيه الأغنياء من الغلاء ولا يحب أن يأخذ من أحد شيئاً يستعين به.

وكأنه يشير بحركته إلى ما قاله القاضي علي بن عبد العزيز في عزة نفس العالم:

يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا

أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ ... وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا

وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي ... وَلَا كُلُّ مَنْ لَاقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا

إِذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى ... وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا

أُنزِّهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يَشِينُهَا ... مَخَافَةَ أَقْوَالُ الْعِدَا فِيمَ أَوْ لَمَا؟

وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي ... لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا

أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً ... إِذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

لا أكون إلى المبالغة إذا قلت أن عزة النفس وهو الخلق الذي ندر في علماء المسلمين لعهدنا كان مما تفرد به، ففيه إباء الملوك وزهد الزهاد

<<  <  ج: ص:  >  >>