للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أبغض الرجال إلى الله الألد (الشديد الخصومة) الخصوم (الكثير الخصومات). ومن ضبط نفسه وراقب ربه لا يجادل إذا جادل إلا عن الحق وبالتي هي أحسن.

(علينا الدعوة والجدال وإلى الله الهدي والضلال، والمجازاة على الأعمال).

الدعوة بوجهيها يجب أن تكون عامة والجدال على وجهه عام مثلها ثم يكون حظ كل أحد من الهدى والضلال على حسب استعداده وقابليته وما سبق عليه أمر ربه وتكون مجازاته على ذلك للخالق الذي هو العالم بمن خرج عن طريقه وأعرض عن هداه وبالذين قبلوا هداه فاهتدوا وساروا في سبيله. والعدل الحقيقي التام في الجزاء إنما يكون ممن يعلم السر والعلن وليس ذلك إلا لله فلا يكون الجزاء على الهدى والضلال من سواه. ولهذا ختمت هذه الآية الكريمة بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (١).

[ثمرته]

ثمرة العلم بهذا أن الداعي يدعو ولا ينقطع عن الدعوة، ولو لم يتبعه أحد، لأنه يعلم أن أمر الهدى والضلال إلى الله، وإنما عليه البلاغ. وأنه يصبر على ما يلقى من إعراض وعناد وكيد وأذى دون أن يجازي بالمثل أو يفتر في دعوة من آذاه، لعلمه بأن الذي يجازي إنما هو الله. جعلنا الله والمسلمين من الدعاة إلى سبيله، كما أمر الصابرين المحتسبين أمام من آمن وشكر، ومن جحد وكفر، غير منتظرين إلا جزاءه ولا متَّكِلِين إلا عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل (٢).


(١) ١٢٥/ ١٦ النمل.
(٢) ش: ج ٢ م ١١ ص ٦٥ - في ٧ صفر ١٣٥٤ - ٥ ماي ١٩٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>