للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية في الموضعين واحد، فإما أن يراد بها نفس الليل والنهار، والإضافة في {آيَةَ اللَّيْلِ} و {آيَةَ النَّهَارِ} للتبيين كإضافة العدد للمعدود. أو يراد بها الشمس والقمر فيكون {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} على تقدير مضاف في الأول مقدراً هكذا: وجعلنا الليل والنهار، أو في الأخير مقدراً هكذا: وجعلنا الليل والنهار ذوي آيتين، وأما على تقديرنا المتقدم فإن لفظ {آيَتَيْنِ} صادق على الليل والنهار، ولفظ {آيَةَ اللَّيْلِ} و {آيَةَ النَّهَارِ} صادق على الشمس والقمر، وعليه يكون تقدير الآية هكذا: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا قمر الليل وجعلنا شمس النهار مبصرة، وهو تقدير صحيح لا معارض له من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، وسالم من دعوى تقدير محذوف، ومفيد لكثرة المعنى بأربع آيات: بالليل وقمره والنهار وشمسه، فالتقرير به أولى ولذلك فسرنا الآية عليه.

{فَمَحَوْنَا} المحو هو الإزالة: إزالة الكتابة من اللوح، وإزالة الآثار من الديار، فمحو {آيَةَ اللَّيْلِ} إزالة الضوء منها. وهذا يقتضي أنه كيان فيها ضوء ثم أزيل. فتفيد الآية أن القمر كان مضيئاً ثم أزيل ضوؤه فصار مظلماً، وقد تقرر في علم الهيئة أن القمر جرم مظلم يأتيه نوره من الشمس. واتفق علماء الفلك في العصر الحديث بعد الإكتشافات والبحوث العلمية أن جرم القمر- كالأرض- كان منذ أحقاب طويلة وملايين السنين شديد الحمو والحراره ثم برد.

فكانت إضاءته في أزمان حموه وزالت لما برد.

لنقف خاشعين متذكرين أمام معجزة القرآن العلمية. ذلك الكتاب الذي جعله الله حجة لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم- وبرهاناً لدينه على البشر مهما ترقوا في العلم وتقدموا في العرفان.

فإن ظلام جرم القمر لم يكن معروفاً أيام نزول الآية عند الأمم إلا أفراداً قليلين من علماء الفلك. وأن حمو جرمه أولاً وزواله

<<  <  ج: ص:  >  >>