للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر تعالى الليل والنهار وآيتيهما استدلالاً على الخلق ليعرفوه، وذكر ما فيها من النعمة عليهم ليشكروه ويعبدوه. فكانت فائدة خلقها على هذا الوجه واجعة للعباد، ليبتغوا ويطلبوا فضلاً من ربهم بالسعي لتحصيل المعاش وأسباب الحياة ووجوه المنافع. وليضبطوا أوقاتهم بعلم عدد السنين الشمسية والقمرية وما اشتملت عليه السنون من الشهور والأيام والساعات. وليعلموا جنس الحساب الذي منه حساب الشمس وتنقلها في منازلها، وحساب القمر وتنقله في بروجه، وحساب أبعادهما وسعتهما ومسير نورهما، ثم حساب ما يرتبط بهما من أجرام سابحة في الفضاء.

والإبتغاء: هو طلب الشيء بسعي إليه ومحبة فيه. ويسمي - تعالى- طلب أسباب الحياة إبتغاء تنبيهاً على هذا السعي وهذه المحبة، فهما الشرطان اللازمان للفوز بالمطلوب. كما يسمي- تعالى- المطلوب بالإبتغاء فضلاً من الرب، وفضله من رحمته، ورحمته واسعة لا تضبطها حدود ولا تحصرها الأعداد- تنبيهاً على سعة هذا الفضل ليذهب الخلق في جميع نواحيه ويأخذوا بجميع أسبابه مما أذن لهم فيه، وليكونوا - إذا ضاق بهم مذهب- آخذين بمذهب آخر من مالك هذا الفضل الرباني الواسع غير المحصور، وتنبيهاً أيضاً على قوة الرجاء في الحصول، وتنبيهاً أيضاً على قوة الرجاء في الحصول على البغية، لأن طلبهم طلب لفضل رب كريم. ويقول تعالى: {مِنْ رَبِّكُمْ} والرب المالك المدبر لمملوكه بالحكمة فيعطيه في كل حال من أحواله ما يليق به ليكون الخلق بعد قيامهم بالعمل راضين بما ييسره الله من أسباب وما يقسمه لهم من رزق ثقة بعدله وحكمته، فلا يبغي أحدٌ على أحد بتعدٍّ أو حسد. فهذه الكلمات القليلة الكثيرة وهي: {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.

جمعت جميع أصول السعادة في هذه الحياة: بالعمل مع الجدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>