للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الناس وعدم ظهور أثر خيره في الحياة وأبناء الحياة.

وقد أفادت الآية- حسبما تقدم- أن أسباب الحياة والعمران والتقدم فيهما مبذولة للخلق على السواء، وأن من تمسك بسبب بلغ- بإذن الله- إلى مسببه، سواء أكان براً أو فاجراً مؤمناً أو كافراً. وهذا الذي أفادته الآية الكريمة مشاهد في تاريخ المسلمين قديماً وحديثاً، فقد تقدموا حتى سادوا العالم ورفعوا علم المدنية الحقة بالعلوم والصنائع، لما أخذوا بأسبابها كما يأمرهم دينهم. وقد تأخروا حتى كادوا يكونون دون الأمم كلها بإهمال تلك الأسباب فخسروا دنياهم وخالفوا مرضاة ربهم وعوقبوا بما هم عليه اليوم من الذل والإنحطاط، ولن يعود إليهم ما كان لهم إلا إذا عادوا إلى امتثال أمر ربهم في الأخذ بتلك الأسباب.

فهذه الآية من أنجع الدواء لفتنة المسلم المتأخر بغيره، المتقدم لما فيها من بيان أن ذلك المسلم ما تأخر بسبب إسلامه، وأن غيره ما تقدم بعدم إسلامه. وأن السببب في التقدم والتأخر هو التمسك والترك للأسباب. ولو أن المسلم تمسك بها كما يأمره الإسلام، لكان- مثل سالف أيامه- سيد الأنام.

[النظر في تفاضل البشر]

{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} (١).

إن من أعظم العبر ما نشاهده في أحوال الخلق أمماً وجماعات وأفراداً من الإختلاف الشديد. فقد اختلفت بواطنهم النفسية، كما اختلفت ظواهرهم الجسدية، وإنك كما تجد أبناء الأمة الواحدة


(١) ١٧/ ٢١ الإسراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>