للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعمل فيه سواء أكان العامل قائماً أو جالساً، فتقول: قام بحاجتي، إذا جد وعمل فيها، ولو كان لم يمش فيها خطوة، وإنما قضاها بكلمة قالها أو خطاب أرسله. وتكني كذلك بالقعود عن الترك للعمل وانحلال العزيمة وبطلان الهمة سواء كان الشخص واقفاً أو جالساً، فتقول: قعد زيد عن نصرة قومه، إذا لم يعمل في ذلك عملاً، ولم تكن له فيه همة ولا عزيمة، ولو كان قائماً يمشي على رجليه، فالقعود في الآية بمعنى المكث كناية عن بطلان العمل وخيبة السعي وخور القلب وفراغ اليد من كل خير. {مَذْمُومًا} مذكوراً بالقبيح موصوفاً به. {مَخْذُولًا} متروكاً بلا نصير مع حاجتك إليه.

فنهى الله الخلق كلهم عن أن يعتقدوا معه شريكاً في ألوهيته فيعبدوه معه، ليعتقدوا أنه الإله وحده فيعبدوه وحده. وبين لهم أنهم إن اعتقدوا معه شريكاً وعبدوه معه فإن عبادتهم تكون باطلة وعملهم يكون مردوداً عليهم وأنهم يكونون مذمومين من خالقهم ومن كل ذي عقل سليم من الخلق، ويكونون مخذولين لا ناصر لهم. فأما الله فإنه يتركهم وما عبدوا معه، وأما معبوداتهم فإنها لا تنفعهم لأنها عاجزة مملوكة مثلهم، فما لهم- قطعاً من نصير.

والخطاب وإن كان موجهاً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه عام للمكلفين، وسر مثل هذا الخطاب تنبيه الخلق إلى أن شرائع الله وتكاليفه عامة للرسول والمرسل إليهم، وإن كان هو قد عصم من المخالفة فلا يبقى بعد ذلك وجه لدعوى مدع خروج فرد من أفراد الأمة المكلفين عن دائرة التكليف.

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (١) القضاء يكون بمعنى الإرادة، وهذا هو القضاء الكوني التقديري


(١) ٢٣/ ١٧ الإسراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>