للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خشية الإملاق: أي خوف الفقر والإقتار، والمملق هو الذي خرج ماله من يده فلم يبق بها شيء، ومن مادته الملقة وهي الصفاة الملساء. فنهوا عن هذا القتل الفظيع مع ذكر سببه لتصوير حالتهم بوجه تام وليتخلص من ذكر السبب إلى إبطاله ورده.

[معالجة هذه الرذيلة: بإبطال سببها، وعظيم قبحها، وسوء عاقبتها]

أبطل تعالى خوفهم من الفقر بقول: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} فأخبر أن رزق الجميع عليه، وأنه متكفل برزق خلقه بما يسر لهم من أسباب جلية أو خفية، لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى والكبير والصغير. كما أنَّه تعالى هو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، كما في الآية السابقة، فهما مرتبطتان بهذه المناسبة، ومن ضلالهم أنَّهم نظروا إلى قوة الكبير فحسبوه مرزوقاً من نفسه فهداهم بقوله: {وَإِيَّاكُمْ} إلى أن الكبار مرزوقون من الله بتقديره وتيسيره. ولما كان لا فرق بين الكبير والصغير في الحاجة إلى لطف الله وضمان الرزق من الله فلا وجه لخوف الفقر من وجود الأولاد وكثرتهم، لأنه ما من واحد منهم إلا ورزقه مضمون من خالقه جل جلاله.

وبيَّن تعالى فظاعة هذا القتل بقوله: {أَوْلَادَكُمْ} بإضافة الأولاد إليهم، فإن الأولاد أفلاذ الأكباد، وبضعة من لحم المرء ودمه، ونسخة من ذاته، فمحبتهم فطرة، والعطف التام عليهم خلقة، فكيف يكون قبح وفظاعة فعل من بلغ بهم القتل. وأي خير يرجى من قاتل ولده لغيره من الناس بعد ما جنى أفظع الجنايات على ألصق الناس به.

وبين تعالى سوء العاقبة لهذا القتل بقوله: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} أي إثماً كبيراً لما فيه من قتل النفس وقطع النسل وهلاك الجنس وخراب العمران وسوء الظن بالله وعدم خشيته وعدم الشفقة على خلقه، يقال خطىء يخطأ خطئاً إذا قصد الفعل القبيح ففعله. وأخطأ

<<  <  ج: ص:  >  >>