للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثنيتهم ولكنه لا يعاديهم ولا ينكر عليهم ويسير بينهم بالصدق والجد والعفاف وكمال المروءة سيرة تخالف سيرتهم فهم لذلك يحبونه ويعظمونه ويدعونه الأمين لقباً خصوه به فصار يدعى به بينهم. فأصبح اليوم- وقد جاوز الأربعين- ينكر عليهم ويسفه أحلامهم ويقبح عبادتهم وما يعبدون ويصبر على أذاهم ولا يقابلهم بالمثل ويستمر على دعوته غير مبال بهم ولا حاسب شيئاً لكثرتهم ولا لسطوتهم. ومن كلام مثل كلامهم في ألفاظه وفي تراكيبه ثم هم يعجزون عن معارضته بمثل أقصر سورة منه ثم يشهدون الفرق بينه وبين كلام محمد نفسه فهو إذا حدَّثهم بما اعتادوا من حديثه معهم حتى إذا تلى عليهم القرآن جاءهم بما هو فوق كلامه وكلامهم وما تقصر عن معارضته ألسنتهم.

بهرهم هذا وهذا وأخذ العناد بعقولهم واستحوذت عليهم شياطينهم فحاروا فيما يقذفون به هذا الرسول وهذا الكتاب، فأخذوا يقولون عن الكتاب أنه إفك مفتري ورأوه أكبر مما كانوا يسمعون من كلام محمد، فلم يكن ليأتي به وحده، وهو فوق المعتاد من كلامه، فإذا هنالك أقوام يعينونه. ومن هم الأقوام؟ وهو- بعد- في نفر قليل ممن آمن به، وهم هم في كثرتهم وتساندهم وقد عجزوا عن الإتيان بشيء مثله فالقليل أحرى بالعجز من الكثير ويقولون أنه أساطير الأولين وقد كان منهم من عرف شيئاً من أخبار الفرس وملوكهم وكان يحدثهم بها ويقصها عليهم ويزعم لهم أنها مثل ما يأتي به محمد فقالوا- وقد علموا الفرق- هذه منها وهي مثلها ولكن محمداً عرفوه أمينا لا يقرأ ولا يكتب فكيف اتصل بهاته التي زعموها أساطير فاخترعوا وسيلة لذلك أنه يكتبها له غيره ويمليها عليه وهو يحفظها ومن هو هذا الذي يكتب ويملي عليه وهم قد عرفوا مدخل محمد ومخرجه ومغداه ومجلسه وعرفوا بلدتهم ومن يساكنهم فكيف لا يرونه ولا مرة بين يدي هذا الكاتب المملي ولا يشاهدونه يوماً في صحبته فاخترعوا لذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>