للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاص والعام فهجرناها واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، محجبة وراء أسوار من الألفاط المختصرة تفني الأعمار قبل الوصول إليها، وبيَّن القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها ومساويء الأخلاق ومضارها، وبيَّن السبيل للتخلي عن هذه والتحلي بتلك مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس والسلامة من الخيبة بقدسيتها فهجرنا ذلك كلها (١) ووضعنا أوضاعاً من عند أنفسنا واصطلاحات من اختراعاتنا خرجنا في أكثرها عن الحنيفية السمحة إلى الغلو والتنطع، وعن السنة البيضاء إلى الأحداث والتبدع، وأدخلنا فيها من النسك الأعجمي، والتخيُّل الفلسفي ما أبعدها غاية البعد عن روح الإسلام، وألقي بين أهلها بذور الشقاق والخصام وآل الحال بهم إلى الخروج من أثقال أغلالها والإقتصار على بقية رسومها للانتفاع منها ومعارضة هداية القرآن بها. وعرض القرآن علينا هذا الكون وعجائبه ونبهنا على ما فيه من عجائب الحكمة ومصادر النعمة لننظر ونبحث ونستفيد ونعمل، فهحجرنا ذلك كله إلى خريدة العجائب وبدائع الزهور والحوت والصخرة وفرن الثور! ودعانا القرآن الى تدبره وتفهمه والتفكر في آياته، ولا يتم ذلك إلا بتفسيره وتبيينه، فأعرضنا عن ذلك وهجرنا تفسيره وتبينه، فترى الطالب يفني حصة كبيرة من عمره في العلوم الآلية دون أن يكون قد طالع ختمة واحدة في أصغر تفسير، كتفسير الجلالين، مثلاً بل ويصير مدرساً متصدراً ولم يفعل ذلك. وفي جامع الزيتونة عمره الله- تعالى- إذا حضر الطالب بعد تحصيل التطويع في درس تفسير فإنه- ويا للمصيبة- يقع في خصومات لفظية بين الشيخ عبد الحكيم وأصحابه في القواعد التي كان يحسب أنه فرغ منها من قبل، فيقضي في خصومة من الخصومات أياماً أو شهوراً، فتنتهي السنة وهو لا يزال حيث ابتدأ أو ما تجاوزه إلا قليلاً دون أن


(١) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>