للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكونية ومعاني الآيات الكلامية في دلالتها وبيانها. والحكمة هنا في هذه الاحكام هي الحكمة المتقدمة فيهما.

ونظير الآيات الكونية والآيات الكلامية والأحكام الشرعية في هذا الخفاء الجزءي تصرفات الله في خلقه بمجاري اقداره فقد تظهر حكم الله فيها وقد تخفى، وقد تخفى دهراً وتظهر بعد مدة. وقد نبهنا الله على هذه الحقيقة بما قص علينا في قصة يوسف عليه السلام، وما كان مجهولا من حكم قدر الله في مبدأ أمره وما ظهر من تلك الحكم الباهرة للقدر في آخر أمره، وبما قصه علينا في قصة أم موسى لما أوحي اليها بقذفه في اليم وعدم الخوف عليه وما كان من عواقب امره، وكما لا ينفي الحكمة عن تدبير الله عدم ظهورها كذلك لا ينفي الحكمة عن شرعه عدم فهمها ولا يقدح في دلالة الآيات وبيانها عدم إدراك كنهها أو عدم فهم معناها.

ففي خلق الله وفي شرع الله وفي قدر الله وفي كلام الله ما يخفي على العقول إدراك حقيقته أو حكمته، أو معناه لطفاً من الله بالإنسان وتنبيها له، وقد قامت الحجة عليه فيما جهل بما عرف. وتجلت له بدائع الخلقة وجلائل النعمة فيما ظهر، فآمن بوجود مثلها فيما خفي. إذ الرب الحكيم الرحيم لا يكون منه إلا ما هو حكمة وفيه نعمة، فكان الإنسان في القسم الأول مدركا مستدلا معتبرا، قد استعمل عقله فأدَّاه إلى الإيمان واليقين فيما ظهر. وكان في القسم الثاني مصدِّقا مذعنا لربه صاغرا، قد أدرك الحجة فآمن بالغيب فيما استتر.

فجمع بين النظر والاستدلال، والتسليم والاذعان.

فهذا توجيه وجود لفظ لا نفهم معناه من كتاب الله- عند من يقول به- ببيان حكمته، مع تنظيره بمثله في خلق الله وشرعه وقدره.

[بناء العمل على هذا العلم]

قد رأيت كيف يقف العقل عاجزاً أمام بعض أسرار الخلق والقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>