للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامدة يجاري الطريقة الأزهرية بعض المجاراة لاعتبارات خاصة، ومن هذه المجاراة السطحية أنه كان يلتزم في تلك الدروس العامرة بالحكم العليا تفسير الجلالين ويستهلها بقراءة عبارته.

ولكن السامعين لتلك الدروس- على كثرتهم وجلالة أقدارهم في العلم والمعرفة وتساويهم في الاعتقاد بأن تلك الدروس فيض من إلهام الله أجراه على قلب ذلك الإمام وعلى لسانه، وأنها ممّا لم تنطو عليه حنايا عالم ولا صحائف كتاب- لم تتسابق أقلامهم لتقييد تلك الدروس إلّا قليلا، ولو أنهم فعلوا لما ضاع من كلام ذلك الإمام حرف واحد. ولو لم يقيّض الله محمد رشيد رضا لهذا العمل الجليل لضاع كله ولكن الله وفقه لحفظ معاني تلك الدروس وسدّد قلمه في أدائها، ثم نهج نهجه بعد موته وسار على شعاع هديه في تفسير كلام الله فأبقى لهذه الأمة تلك الأسفار القيمة المعروفة بتفسير المنار.

مدّت حركة الاصلاح العلمي مدّها بعد موت الإمام، وانتشرت في الأقطار الإسلامية، وأسفرت عن إصلاح حقيقي لأساليب التعليم في المعاهد الحرّة، وعن إصلاح صوري في المعاهد الرسمية. ولا تزال الحرب قائمة في هذه المعاهد بين طلاب الإصلاح وبين أنصار الجمود، وستكون العاقبة للمصلحين بإذن الله. ولقد كان من حسن حظ الجزائر أن باعث النهضة العلمية فيها الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس قد وضع أساس هذه النهضة على قواعد صحيحة من أول يوم، فسلك في درس كلام الله أسلوبا سلفي النزعة والمادة، عصري الأسلوب والمرمى، مستمدا من آيات القرآن وأسرارها أكثر ممّا هو مستمد من التفاسير وأسفارها. وقد قرأنا له في بعض افتتاحيات مجلة "الشهاب" أنه يعتمد في هذه الدروس على تفاسير مخصوصة في مواضيع مخصوصة، كالطبري في المأثور والكشاف للزمخشري في أسرار الإعجاز، وذلك صحيح ومفيد لمن يجعل فهوم الرجال مقاييس لفهمه ولا يعطيها أكثر من أنها فهوم تصيب وتخطيء، أما المعنى الصحيح لكتاب الله فيستجليه من البيان العربي والشرح النبوي ومن مقاصد

<<  <  ج: ص:  >  >>