للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكويني. وان الانصاف الذي هو خير ما ربى عليه امرؤ نفسه- ليدعوني أن أذكر في هذا الموقف التاريخي العظيم بالتمجيد والتكريم كل العناصر التي كان لها الأثر في تكويني حتى تأخذ حظها مستوفى من كل ما أفرغتم على شخصي الضعيف من ثناء ومدح بالقول والفعل. فإني أشهد الله أنكم بالغتم في التحفي بي والتنويه بأعمالي، وأشهد أن هذا التحفي عسير عليَّ جزاؤه ثقيل علي حمله، فلعلي إذا ذكرت هذه العناصر ووفيتها حقها من الاعتراف لها بالفضل توزعت حصصها من التنويه وتقاضت حقوقها من الثناء الذي أثقلتم به كاهلي. فأكون بذلك قد أرضيت ضميري وخففت عن نفسي.

إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربَّاني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة. ورضي لي العلم طريقة اتبعها ومشربا أرده وقاتني وأعاشني وبراني كالسهم وراشني وحماني من المكاره صغيرا وكبيرا. وكفاني كلف الحياة فلأشكرنه بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر. ولأكل ما عجزت عنه من ذلك لله الذي لا يضيع جزاء العاملين.

ثم لمشائخي الذي علموني العلم وخطوا لي مناهج العمل في الحياة ولم يبخسوا استعدادي حقه، وأذكر منهم رجلين كان لهما الأثر البليغ في تربيتي وفي حياتي العملية، وهما من مشائخي اللذان تجاوزا بي حد التعليم المعهود من أمثالهما لأمثالي- إلى التربية والتثقيف والأخذ باليد إلى الغايات المثلى في الحياة. أحد الرجلين الشيخ حمدان الونيسي القسنطيني نزيل المدينة المنورة ودفينها، وثانيهما الشيخ محمد النخلي المدرس بجامع الزيتونة المعمور رحمهما الله.

وإني لأذكر للأول وصية أوصاني بها وعهداً عهد بي إليَّ وأذكر ذلك العهد في نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله فأجدني مدينا لهذا الرجل بمنة لا يقوم بها الشكر، فقد أوصاني وشدَّد عليَّ أن لا أقرب الوظيفة ولا أرضاها ما حييت ولا أتخذ علمي مطية لها كما كان يفعله أمثالي في ذلك الوقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>