للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبوا منكم النصرة بالقوة التي في يديكم من العدد والعدة لا أنهم طلبوا منكم أن تنصروهم بطريق الغيب و"التصرف".

ويدعو المخلوق خالقه ويستغيثه، في تيسير الأسباب العادية وفيما هو وراء تلك الأسباب من الألطاف الخفية وما هو فوق الطاقة البشرية وعلى هذا جاء قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فتوجهوا إليه بالدعاء وطلب التخليص من المكروه بالنصر على الأعداء وقد كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بين ظهرانيهم فلم يستغيثوه لعلمهم أن الاستغاثة فيما وراء الأسباب لا تكون إلا لله.

فعلم من هذا أن الاستغاثة قسمان: إستغاثة بما هو في طوق البشر ودائرة الأسباب وهذه تكون للمخلوق لأنها عادة واستغاثة فيما هو خارج عن طوق البشر ودائرة الأسباب، وهذه لا تكون إلا للخالق لأنها عبادة، وعلى هذين القسمين نزلنا آيات التنريل.

أفخفي هذا على فضيلته حتى أخذ يستدل بآية الاستغاثة العادية التي تكون بين المخلوقين على الاستغاثة التعبدية التي لا تكون إلا لله. إن خفاء هذا على مثله لعجيب.

ثم هذا التقسيم الذي ذكرنا في الاستغاثة هو بنفسه يجري في الدعاء وما الاستغاثة إلا نوع منه فما كان منه لشيء معظم ليطلب منه ما هو وراء الأسباب العادية وفوق الطاقة البشرية فهو عبادة ولا يكون من المخلوق إلا لخالقه وإذا لم يكن كذلك فهو عادة وهو دعاء المخلوقين بعضهم لبعض لغرض من الأغراض ومن الأول قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} فنصره الله تعالى بما ليس من صنع البشر ومن الثاني قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فدعا موسى قومه وطلب منهم ما هو في مكنتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>