للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَقُولُ): كَلَّا إِنَّمَا هِيَ فَلْسَفَةٌ خَيَالِيَّةٌ مِنْ خَيَالَاتِ وَحْدَةِ الْوُجُودِ الْبُرْهُمِيَّةِ الْهِنْدِيَّةِ قَدْ شُغِلَ بِهَا أَفْرَادٌ عَنْ فِطْرَةِ اللهِ وَشَرْعِهِ مَعًا فَجَعَلُوهَا أَعْلَى مَرَاتِبَ الْعُبُودِيَّةِ، وَتَأَوَّلُوا لَهَا بَعْضَ آيَاتِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} وَمَا إِرَادَةُ وَجْهِهِ تَعَالَى إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَتَحَرِّي هِدَايَةِ دِينِهِ فِيهِ، لَا مَا تَخَيَّلُوهُ مِنْ أَنَّ إِرَادَةَ وَجْهِهِ تَعَالَى هُوَ الْوُصُولُ إِلَى ذَاتِهِ بَعْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ نِعْمَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ جَمِيعًا، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ بِتِلْكَ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الَّتِي لَا تُدْرِكُهَا الْعُقُولُ وَلَا تَدْنُو مِنْ كُنْهِهَا الْأَفْكَارُ وَلَا الْأَوْهَامُ، مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ، بَلْ إِدْرَاكُ كُنْهِ الذَّوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ لَهُ تَعَالَى فَوْقَ اسْتِطَاعَةِ خَلْقِهِ. وَإِنَّمَا أَعْلَى مَرَاتِبَ مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا هِيَ مَعْرِفَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ، وَدُعَاؤُهُ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ بِمَا يُنَاسِبُ تَعَلُّقَهُ بِشُئُونِ عِبَادِهِ، وَبِهَذَا فَضَّلَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِيَارَ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَعْبُدُ كُلٌّ مِنْهُمْ رَبَّهُ عِبَادَةً خَاصَّةً، وَالْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ مَنْ يَعْرِفُ حَقَّ رَبِّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا شَرَعَهُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالْقِيَامُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُبِّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَأَعْلَى مَرَاتِبِ مَعْرِفَتِهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ مَقَامُ الرُّؤْيَةِ بِتَجَلِّيهِ الْأَعْلَى فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِ الْجَزَاءِ عَنِ الْعَمَلِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ جَهْلٌ لَا عِلْمٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ. (١).


(ا) ش: ج ١٢، م ٩، ص٤٧٢ - ٤٧٤ غرة رجب ١٣٥٢هـ - نوفمبر ١٩٣٣م.

<<  <  ج: ص:  >  >>