للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالكية، أن الكراهة هي مذهب مالك وجمهور أصحابه، وقد نقل فضيلته سماع أشهب من العتبية قال: "سئل مالك عن قراءة يس عند رأس الميت، فقال: ما سمعت بهذا وما هو من عمل الناس"، فهذا تصريح منه بأنه رده لأنه محدث ليس عليه عمل السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين.

وإذا كان هذا قوله فيما جاء فيه أثر وهو قراءة يس عند رأس الميت فغير هذا الوطن مما لا أثر فيه، أولى وأحرى بالكراهة. والتعليل بأنه ليس عليه عمل الناس يفيد أن مجرد فعل القراءة مكروه لأنه عمل مخالف لعملهم دون التفات إلى أنه اعتقد أن ذلك سنة أو لم يعتقد. إذ ما فعله إلا وهو ويعتقد أنه قربة في تلك المواطن فيكون قصد القربة بما لم يجعله الشارع قربة، وهذا مقتض للكراهة، فقصد القربة وحده كاف في الكراهة دون حاجة إلى اعتقاد أنه سنة وبهذا بطل تأويل من تأول كلام مالك بمن قصد أنه سنة.

وبعد أن ثبت أن قراءة القرآن العظيم في تلك المواطن بدعة، وأنها مكروهة فهل هي كراهة تنزيه أو تحريم؟ ذهب الإمام الشاطبي إلى أن الكراهة حيثما عبر بها في البدعة فهي كراهة تحريم على تفاوت مراتبها في ذلك وساق على ذلك جملة من الأدلة الكافية في الباب السادس من كتابه الاعتصام، فأجمل فضيلته في الإشارة إلى مذهب الشاطبي إجمالا أظهره به مظهر من تكلم في خصوص هذه المسألة فتوهم وتقوَّل على الإمام فقال: "وليس المراد بالكراهة الحرمة كما توهمه الشاطبي في كتاب الاعتصام مستندا إلى أن الإمام قد يعبر بالكراهة ويعني بها الحرمة لأن كلام مالك لم يقع فيه لفظ الكراهة بل هي من تعبير فقهاء مذهبه تفسيرا لمراده. لأن علماء مذهبه متفقون على أنَّ مراد مالك من كلامه في المدونة وفي السماع هو الكراهة بالمعنى المصطلح عليه في الفقه، ولأن دليل التحريم لا وجود له فحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>