للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب؛ لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة.

قال الحافظ ابن عبد البر: [وأما قوله: (فكلوا وتصدقوا وادخروا) فكلام خرج بلفظ الأمر، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب] (١).

وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة: يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها.

ولو أكل أكثر من الثلث جاز (٢).

وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله: (كلوا وتصدقوا وأطعموا) (٣).

واحتج ابن قدامة بما ورد عن ابن عباس في صفة أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤَّال بالثلث] رواه الحافظ

أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن (٤).

وقالوا لأنه قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة، فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة (٥).

ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً (٦)، لقول الله تعالى في الهدايا

:} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ {سورة الحج الآية ٣٦.

وأما الإمام مالك فلم يحد في ذلك شيئاً ويقول: يأكل ويتصدق.

والدليل على أنه لا تحديد في المسألة، بل الأمر على الاستحباب، حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال:

(ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية. قال: فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) وقد سبق (٧).


(١) الاستذكار ١٥/ ١٧٣.
(٢) المجموع ٨/ ٤١٥، المغني ٩/ ٤٤٨، بدائع الصنائع ٤/ ٢٢٣، الحاوي ١٥/ ١١٧، فتح الباري ١٢/ ١٢٣.
(٣) فتح الباري ١٢/ ١٢٣.
(٤) المغني ٩/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٥) المصدر السابق ٩/ ٤٤٩.
(٦) فتح الباري ١٢/ ١٢٣.
(٧) الاستذكار ١٥/ ١٧٤، الشرح الكبير ٢/ ١٢٢.

<<  <   >  >>