للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للآخر مقالاً، والأضحية عن الميت بانفراده لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعلها أحد من أصحابه، بخلاف الصدقة فقد ثبتت (١).

ثم ذكر كلام الشيخ عبد العزيز بن رشيد ونصه:

(إن النصوص تتظاهر على وصول ثواب الأعمال إلى الميت، إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس، فإن الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبته ماله في حياته، وقد نبّه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ونبّه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية، وأخبر بوصول الحج المركب بين المالية والبدنية.)

فالجواب: أما قوله بقياس العبادات التي هي عند الله وأمرها إلى الله، على هبة المال الذي يملكه صاحبه في الدنيا ويتصرف فيه كيف يشاء، من بيع وعطاء، فإنه قياس مع الفارق حتى ولو قال به من قال، فإن الآيات المثبتة للجزاء على الحسنات والسيئات، تبطل دعوى ملكية الإنسان لثواب عباداته، لأنه عبد لله وأعماله مملوكة لله، وليس من شأنه أن يتصرّف في أعماله بهبتها لمن لا يعملها، لكون الجزاء على الأعمال ليست مملوكة للعامل، وإنما هي فضل من الله يتفضل به على من يشاء من عباده والناس منهم المقبول عمله ومنهم المردود، ومن نوقش الحساب يهلك، لأن الله سبحانه إذا بسط عدله على عبده وحاسبه على حسناته وسيئاته لم يبق له حسنة، وإذا بسط فضله على عبده، لم يبق له سيئة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما منكم أحد يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، ولو جاز هبة الأعمال قياساً على هبة المال لجاز بيعها، إذ الهبة نوع من البيع، فالفرق بين هبة المال وبين هبة الأعمال كالفرق بين الدنيا والآخرة وكالفرق بين العبادات والعادات، وبهذا يتبين بطلان قوله: إن الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لم يمنع منه، لأنه ليس للعامل حق ثابت على الله ... (٢).


(١) مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق ص٢٦.

(٢) المصدر السابق ص٤٠ - ٤١.

<<  <   >  >>