للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير.

واحتج بما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة ... . ثم كمن يهدي بيضة) رواه البخاري بهذا اللفظ (١).

واحتج بالحديث الآخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) رواه البخاري ومسلم (٢).

ثم قال ابن حزم: [ففي هذين الخبرين هدي دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة

والأضحية تقريب بلا شك ... ولا معترض على هذين النصين أصلاً]، وذكر ابن حزم قبل ذلك قول بلال - رضي الله عنه -: [ما أبالي لو ضحيت بديك] وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال: [هذه أضحية ابن عباس] (٣).

والجواب عن استدلال ابن حزم: أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها، لأن الخاص يقدم على العام.

وأما استدلال ابن حزم بالحديثين فمنقوض، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط.

والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه. وكذلك فقد ورد في الحديث (فكأنما قرب ... ) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي.


(١) صحيح البخاري مع الفتح ٣/ ٥٨.
(٢) صحيح البخاري مع الفتح ٣/ ١٧ –١٨، صحيح مسلم بشرح النووي ٢/ ٤٥١.
(٣) المحلى ٦/ ٣٠ - ٣١.

<<  <   >  >>